12-02-2025 02:21 PM
بقلم : أ.هاشم أيمن العفيشات
السياسة ليست مجرد كلمات أو خطابات، بل مواقف تُترجم على الأرض، وهذا بالضبط ما أظهره جلالة الملك عبدالله الثاني في تعامله مع الطرح الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص القضية الفلسطينية، خلال لقائهما يوم الثلاثاء 11-2-2025. لم يكن الموقف الأردني رد فعل عابر أو مجرد استعراض دبلوماسي، بل كان درسًا في القيادة والحنكة السياسية، حيث فكّك الطرح الأمريكي جزءًا جزءًا، رافضًا أي إملاءات لا تخدم مصلحة بلاده وأمته، واضعًا العرب جميعًا أمام مسؤولياتهم التاريخية.
دهاء سياسي أردني يواجه الطرح الأمريكي
عندما وجّه الصحفيون في البيت الأبيض أسئلتهم إلى جلالة الملك حول موقف الأردن من مقترح ترامب، جاء الرد مدروسًا ومحسوبًا، حيث ربط الملك موقف الأردن بالإجماع العربي، مشددًا على أن أي قرار يتعلق بغزة ومستقبلها يجب أن يكون عربيًا موحدًا وليس قرارًا منفردًا، وكأن جلالته يقول للعالم إن القضية الفلسطينية ليست شأنًا أردنيًا فقط، بل مسؤولية عربية وإسلامية جماعية. هذه الرسالة لم تكن موجهة فقط إلى ترامب، بل أيضًا إلى الزعماء العرب والمجتمع الدولي، تأكيدًا على أن الحل العادل لفلسطين لا يمكن أن يأتي إلا بتوافق عربي وإرادة سياسية حقيقية.
مفاجأة ملكية ترد على مقترح تهجير أهل غزة
عندما سُئل الملك عن رأيه في مقترح ترامب بشأن تهجير سكان غزة تحت ذريعة الدواعي الإنسانية، جاء الرد غير متوقع ومؤثر في آنٍ واحد، حيث فاجأ جلالته الرئيس الأمريكي بإعلان قرار أردني باستقبال 2000 طفل مريض من غزة للعلاج في المستشفيات الأردنية، استكمالًا للجهود الإنسانية التي قام بها الأردن حتى قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع. هذا القرار لم يكن مجرد خطوة إنسانية، بل كان أيضًا خطوة سياسية مدروسة تعزز الموقف الأردني، وتؤكد أن الالتزام الأخلاقي تجاه الفلسطينيين لا يتعارض مع الموقف السياسي الثابت للأردن. كما وضع هذا القرار ترامب في موقف حرج، حيث أصبح ملزمًا بتسهيل نقل هؤلاء الأطفال وضمان عودتهم، مما كشف تناقض الموقف الأمريكي بين الادعاءات الإنسانية والسياسات الفعلية على الأرض.
موقف حازم من التهجير القسري لفلسطينيي الضفة
أما فيما يتعلق بطرح تهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن، فقد كان الرد الملكي واضحًا، مباشرًا، وقاطعًا، لا يحتمل التأويل أو التشكيك. فقد أكد جلالته بكل صراحة أنه لن يقوم بأي خطوة لا تخدم مصالح شعبه ووطنه، في رسالة ضمنية ترفض أي محاولة لفرض التهجير القسري، وتؤكد التزام الأردن بدعم حقوق الفلسطينيين والدفاع عن القدس العربية. هذا الموقف لم يكن جديدًا على القيادة الأردنية، لكنه جاء في توقيت حساس جدًا ليؤكد أن الأردن لن يسمح بفرض أي واقع جديد على حسابه أو على حساب القضية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية مسؤولية عربية.. لا مجال للمزايدة
بذكائه السياسي، لم يسمح الملك بتحويل القضية الفلسطينية إلى شأن أردني خالص، بل أعادها إلى أصلها الحقيقي كقضية عربية وإسلامية تحتاج إلى موقف موحّد. هذا التحرك وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وأكد أن أي محاولة لفرض حلول فردية أو قرارات أحادية ستكون غير قابلة للتنفيذ، لأن أي اتفاق يجب أن يقوم على إجماع عربي حقيقي، وليس مجرد ترتيبات شكلية. وكأن جلالته يبعث برسالة واضحة إلى العرب: "يد واحدة لا تصفق أمام هذه الغطرسة"، مشددًا على أن أي حل يجب أن يكون عربيًا واضحًا، ينطلق من موقف موحد يتم تبنيه في قمة الرياض الطارئة، بحيث يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه فلسطين وغزة، سواء من منطلق قومي أو ديني أو إنساني.
الملك الجندي الأول في المعركة السياسية
السياسة ليست مجرد لقاءات دبلوماسية أو خطابات إعلامية، بل هي قرارات تترجم إلى أفعال، وهذا ما أثبته جلالة الملك بوضوح. فهو لم يكن مجرد متابع للمشهد السياسي أو وسيطًا، بل كان صاحب موقف ورؤية واستراتيجية، جعلت من الأردن رقمًا صعبًا في أي معادلة تخص القضية الفلسطينية والمنطقة بأكملها. وبهذا، فإن الموقف الأردني بقيادة جلالة الملك لم يكن مجرد تسجيل موقف سياسي، بل كان رسالة قوية بأن الأردن قادر على مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية بثبات ووضوح، دون أن يكون تابعًا لأي أجندة خارجية.
التاريخ لا يرحم.. والمواقف تُسجّل
التاريخ لا يرحم المترددين، ولا ينسى أصحاب المواقف، والموقف الأردني، بقيادة جلالة الملك، في التعامل مع الطرح الأمريكي كان رسالة واضحة بأن الحنكة السياسية لا تعني القبول بالأمر الواقع، بل تعني القدرة على تفكيكه وإعادة صياغته بما يخدم المصلحة العليا. وكما قيل قديمًا: "المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين"، فكيف إذا كان الحديث عن قائد يدرك أبعاد المشهد السياسي بالكامل، ويعرف كيف يحمي وطنه وأمته من أي محاولات لتغيير المعادلات السياسية لصالح أجندات غير عربية؟
الخاتمة: رسالة واضحة لا تقبل اللبس
خلاصة القول، رسائل الملك كانت ذات أهمية ودلالة، وستظل قيد الترجمة لأسابيع وأشهر قادمة، لكن مضمونها واضح لا لبس فيه: القضية الفلسطينية مسؤولية عربية، ولن يُفرض على الأردن أي حل على حساب شعبه ووطنه، مهما كان الثمن. فهل وصلت الرسالة؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-02-2025 02:21 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |