حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,26 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2455

د. إبراهيم الخالدي يكتب: نظام الأمبودسمان .. وضرورة تطبيقه في الإدارة الأردنية

د. إبراهيم الخالدي يكتب: نظام الأمبودسمان .. وضرورة تطبيقه في الإدارة الأردنية

د. إبراهيم الخالدي يكتب: نظام الأمبودسمان ..  وضرورة تطبيقه في الإدارة الأردنية

15-02-2025 09:07 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي
إن أنجع السبل القانونية والإدارية لدرء الفساد الإداري والمالي ومنع الانحراف في الإدارة العامة ؛ هو الرقابة المسبقة على القرارات الصادرة عنها ، ذلك أن الفساد والانحراف إنما يزداد خطراً واتساعاً إذا كانت الإدارة بمنأى عن الرقابة والمساءلة ، فتُتَّخذ القرارات فيها دون حسيب أو رقيب أو متابعة ، وبما أن المؤسسات الرقابية التقليدية عاجزة عن لجم الفساد وكبح جماح الانحراف ؛ كان لا بد من وسيلة أو أسلوب آخر يقوم بهذا الدور ، يقوم على ما يشار إليه في علم الإدارة بالرقابة المسبقة على تصرفات الإدارة وسلوك الموظفين .


وقد أدركت كثير من الدول المتقدمة أهمية هذا النوع من الرقابة ، وضرورة الأخذ به لضبط تصرفات الإدارة العامة ، وتحقيق العدالة خارج إطار النظام القضائي . يتماشى استحداث هذا النظام مع المهام الكبيرة المترتبة على اتساع تدخل الدولة في نشاط الأفراد تحت شعار الحفاظ على النظام العام والمصلحة العامة ، الذي يشكل غاية العمل الإداري ومناطه ، والذي تدور حوله مشروعية أو عدم مشروعية تصرفات الإدارة . وعزز هذه الضرورة تزايد الشعور بعدم كفاية الوسائل التقليدية في الرقابة على أعمال الإدارة وحماية حقوق الافراد وحرياتهم من جهة ؛ وللعيوب التي تكتنف تلك الوسائل من تعقيد في إجراءاتها ، وبطئها ، وتكاليفها الباهظة من جهة أخرى .


ومن الوسائل البديلة أو الرديفة التي أثبتت نجاحها في القيام بهذا الدور ما يسمى بنظام ( الأمبودسمان Ombouds man ) أو المفوض البرلماني ، الذي انتشر في الدول الاوربية الإسكندنافية منذ بدايات القرن التاسع عشر . وقد سار العمل - قبل عام 1915م - على انتخاب امبودسمان واحد يسمى Justitue omboudsman يمارس جميع الاختصاصات الموكولة إليه فيما يتعلق بالرقابة الإدارية على نشاط الإدارة العامة ، والمحاكم ، والقوات المسلحة ، لكن بعد ذلك التاريخ أصبحت المسائل المتعلقة بالقوات المسلحة من اختصاص امبودسمان آخر . يتم انتخاب الأمبودسمان - الذي قد يكون قاضياً أو موظفاً أو استاذاً في القانون - لمدة معينة من قبل أعضاء البرلمان ، يُتخذ له مقر خاص ، ويعاونه فريق من المختصين في هذا المجال .


والأمبودسمان كلمة سويدية يراد بها المفوض أو الممثل ، وهو شخص مكلف من قبل البرلمان بمراقبة الإدارة والحكومة ، وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم . وقد استحدثت السويد هذا النظام في دستورها لعام 1809م ليكون وسيلة لتحقيق التوازن بين سلطة البرلمان والسلطة التنفيذية ، وللحد من تعسف الأخيرة في استخدامها لامتيازاتها في مواجهة الأفراد أو الولوغ في استخدام المال العام وتبديده . وقد تطور هذا النظام حتى بات يطلق عليه اسم ( حامي المواطن ) فهو الممثل الرسمي الذي يلجأ إليه المواطن طالباً حمايته وتدخله إذ ما صادفته مشاكل أو صعوبات مع الحكومة أو الجهات الإدارية .


ومن اختصاصات هذا النظام حماية القيم السياسية للمجتمع وتطبيق المبادئ المقررة في الدستور والقانون ، التي تهدف أساساً إلى حماية حقوق الشعب وقيمه الدينية والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية ، والحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة ، وحماية الوحدة الوطنية ، والحفاظ على السلام الاجتماعي .


وللمفوض حق إقامة الدعوى أمام المحاكم المختصة ضد من ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون بسبب التحيز أو المحسوبية أو أي سبب آخر ، أو أهملوا في تأدية واجباتهم على النحو المطلوب . ويمارس الأمبودسمان اختصاصه في ثلاث مجالات : الرقابة على نشاط الإدارة العامة ، والرقابة على جهاز القضاء ، والرقابة على القوات المسلحة .


والمهمة الرئيسية بموجب هذا النظام تقضي بأن تُرسل نسخة من أي قرار يصدر عن الجهة الحكومية إلى الرقيب قبل إصداره أو إنفاذه ، ليطلع عليه ويتحقق من مدى سلامته من الناحية القانونية والإدارية ، ومراعاته للقيم الدينية والأعراف الاجتماعية ، وتحقيقه للصالح العام ، فإذا ما تحققت له سلامته وفق المعايير المذكورة أمضاه ، وأعاده ممهوراً بتوقيعه إلى الجهة التي أصدرته ، للمضي في إجراءات الإعلان ثم التنفيذ . وبذلك تتحقق الشفافية والعدالة ، ويُدرأ خطر الفساد والانحراف .


لقد حقق هذا النظام في الدول التي أخذت به نتائج مبهرة في تحقيق العدالة وكبح جماح الفساد ولجم الفاسدين ، لهذا كانت السويد والدول التي أخذت به من أقل دول العالم فساداً وأكثرها شفافية ، وبالتالي فهي أكثرها ازدهاراً وتطوراً واستقراراً ، تؤكد ذلك التقارير السنوية لمنظمة الشفافية الدولية .


وبالنظر للنجاح الكبير لهذا النظام فقد أخذت العديد من الدول بأنظمة مماثلة له ، كما حصل في فنلندا التي أخذت به عام 1919م ثم الدانمارك بمقتضى دستورها لعام 1953 ، وتم انتخاب أول أمبودسمان فيها عام 1955 ، كذلك أخذت به نيوزلندا والنرويج عام 1962 ، والمملكة المتحدة وكندا عام 1967 . بل إن بعضها قد جعل لكل شركة أو دائرة امبودسمان خاصاً بها .


هذا ما يجري عليه العمل في الدول التي أخذت بهذا النظام ، وتلك النتائج التي ترتبت عليه ، والفوائد الجليلة التي تمخضت عنه . ونحن في الاردن أحوج ما نكون إلى مثل هذا النظام الذي أثبت فاعليته في لجم الفساد والحد من التصرفات اللامسؤولة للإدارة في استغلال المناصب الإدارية ، والاستهتار بالمال العام وتوظيفه في غير الغايات المقررة له في الموازنات العامة السنوية . فقد استفحل لدينا الفساد وتمغط وتجذر ، مستغلاً غيبة الرقيب أو غفوته ، حتى بات من الصعب اجتثاثه أو الحد من سطوته وغلوائه ، وقد فشلت عدة حكومات متعاقبة في كبح جماح الفساد وردعه ، بل ساهمت هي نفسها في انتشاره وتعظيم خطره ، لأنها كانت في منأى عن الرقابة والمساءلة ، رغم أنها قد ضمَّنت بياناتها التي حصلت بها على ثقة مجلس النواب بنداً رئيسياً تعد به بمحاربة الفساد ، ولكنه تضمين من باب ذر الرماد في العيون ، وذلك لنيل الثقة وحسب ، ثم تمارس دورها في الفساد والإفساد .


وقد جربنا مؤسسات رقابية عديدة ، تحت مسميات مختلفة ، ولم نحصل على نتيجة نبلغ بها أهداف إنشائها ، بل تقودنا من فشل إلى فشل ، حتى تراكم الفساد وأصبح غولاً يعذر اجتثاثه أو كبح جماحه ، وكان آخر هذه المؤسسات ما يسمى بهيئة مكافحة الفساد وهي هيئة لا تغني عن نظام الأمبودسمان بحال ، وليست بديلاً منه ، فالأمبودسمان نظام وقائي يمنع الانحراف قبل ظهوره ، ويقمع الفساد في بواكيره ، بينما يقتصر دور الهيئة على التحقيق في الشكاوى والتجاوزات التي ترفع إليها من الجهات المختلفة ، أي بعد وقوع الفساد واستفحال أمره ، وقلما تفلح في ذلك ، وهي بقانونها الحالي عاجزة عن كبح جماح الفساد الذي خرج عن السيطرة ، لأنها خرجت من رحم الحكومة ، والحكومة لا يمكن أن تنشئ مؤسسة تراقبها وتضبط تصرفاتها ، وتمنعها من تجاوز صلاحياتها ، فكيف لها أن تلجم الفساد بهيئة مبقرطة مشلولة كهذه .


والصورة المقترحة محلياً لمثل هذا النظام ؛ هي استحداث دائرة أو قسم في مركز كل محافظة يطلق عليه اسم دال على المهمة التي أنشئ من أجلها ، وليكن ( المحتسب ) مثلاً ، بحيث يراجع ويتابع القرارات الصادرة عن كافة الدوائر الحكومية في المحافظة قبل صدورها ، ويتابع الشكاوى التي ترفع إليه من المواطنين في مواجهة الحكومة ، وبموجب هذا النظام القويم نحقق العدالة والشفافية والنزاهة بأيسر سبيل وبأقل التكاليف ، كما يتقلص نسبياً دور المؤسسات الرقابية الأخرى الحالية ، كهيئة مكافحة الفساد ، وديوان المحاسبة ، وما يسمى بديوان المظالم ، وسواها من هذه المؤسسات ، لأن المحتسب قد وفر عليها كثيراً من الجهود في هذا المجال ، وكفاها مهام المتابعة والتدقيق .
د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي








طباعة
  • المشاهدات: 2455
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
15-02-2025 09:07 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم