16-02-2025 08:18 AM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
تسعى الحكومات الأردنية المتعاقبة إلى ترجمة الرؤية الملكية في التحديث الاقتصادي والسياسي، وتسعى كذلك إلى تسريع عملية التطوير الشاملة، لكنّ هذا السعي ما يزال يصطدم بصخورٍ بيروقراطيةٍ صلبة، لا يمكن إزالتها بذات الآليات القديمة، والتفكير التقليدي، لدى بعض القائمين على عملية التحديث والتطوير، وكي لا يتّسع الرتق على الراتق، فإنّ معالجة الاختلالات أولًا ضرورة وطنية، فلا يمكن للقطار أن يسير إلّا أن يسير على سكّةٍ سليمة، وبخلاف ذلك فإنّه يظلُّ مكانه غير قادرٍ على التقدّم خطوة، ولتقريب ذلك، لا بُدّ من التأشير على بعضٍ من هذه القضايا.
فمثلًا، ليس مهمًا رقمنة العمل الحكومي بقدر أهمية تمكين المواطن أولًا من التعامل السريع البسيط مع الرقمنة، وتوفير الوسائل الكافية للاستخدام في كل مكان وبكل أمان.
وليس مهمًا كذلك فتح الباب للأحزاب للانخراط في العملية السياسية، قدر أهمية إقبال الناس على الانتساب إلى الأحزاب، وتوفير الأجواء الآمنة للمشاركة الحزبية الحقيقية، دون ارتباطها بالأسماء التي فقد الشارع ثقته فيها تمامًا، وهذا يستلزم خلق بيئةٍ وطنية تسمح بوجود مناطق آمنة للاختلاف لا يكون من عواقبها مصادرة الحريات والرأي الآخر.
وعلى ذات الاتّجاه، فإنّ التراجع غير المسبوق في العملية التعليمية، والإصرار على السير فيه، رغم ما فيه، ورغم أجراس الإنذار التي يقرعها الأهالي والمدرّسون وحتى الطلّاب، يدخل في باب الجريمة الوطنية، مع أنّ العلاج سهلٌ، ويراه الجميع سهلا، فلماذا لا يراه أصحاب الحلّ والعقد في العملية التعليمية !!، ولماذا صار التعليم الخاص أكثر فعاليةً وإنتاجيةً من التعليم العام، مع أنّ التعليم العام في بعض البلدان العربية القريبة منّا يتفوّق كثيرًا جدًا على التعليم الخاص !!
أمّا عن الثقافة التي تمّ اختصارها وتأطيرها في قليلٍ من الأمسيات الشعرية، والندوات المعرفية البسيطة، وبعض الحفلات الغنائية بذات الجمهور المحدود المكرور، فإنّها كذلك تدقّ ناقوس الخطر، وتؤشر إلى وجوب إعادة عملية البرمجة الشاملة للمنظومة الثقافية برمّتها، التي تعاني من دخول الطارئين عليها، والتي صارت حقلًا خصبًا لكل من ليس له علاقةٌ بالثقافة والإبداع والمعرفة.
موضوع الدراما أيضًا ليس بعيدًا عن ذلك، فالإنتاج التلفزيوني ما زال يقدّم دراما بائسة، غير مترابطة فكريًا ومنطقيًا وتسلسليًا، فالإنتاجات الأخيرة لا تخلو من الكثير من التندر عليها، ومنها مثلًا تقديم مسلسلٍ بدويٍ بذات الفكرة التي لم يتجاوزها كاتبو السيناريوهات منذ ستينيات القرن الماضي، وهي (علاقة الحب التي تنشأ بين الشيخ أو ابنه مع إحدى الفتيات قرب غدير الماء، أو ثيمة الخيانة والغدر)، حتى مقاربات دمج الحداثة بالبداوة جاءت ممجوجة غير متناسقة، فمثلًا كيف يمكن ربط (بورد تعليمي ببيت الشعر الذي يستخدم الفانوس!!، أو استخدام الكومبارس بطريقة مملة بنفس الحركات طوال حلقات المسلسل بحيث بدت "الديرة" وكأنّها سوق مدينة !!).
مسلسل آخر يصر على إظهار معيشة تاجر مخدرات على أنّها معيشة تاجر مافيا إيطالية في عمّان، ويُظهر أنّ ضابط مكافحة المخدرات يعاني من ضائقة مالية بسبب محدودية الدخل، ويُظهر ضابط حرس الحدود مأسورًا من عصابات المخدرات، بصورة تسيء إلى ضباط المكافحة الأشاوس، وإلى حرس الحدود، العيون النشمية الساهرة على أمن الوطن من العصابات المارقة.
هذه بعض القضايا التي يتم تسطيحها والتعاطي معها ببرودٍ ولا مبالاةٍ شديدة، مع أنّ معالجتها السهلة تضعنا على الطريق الصحيح للنهوض والتقدّم والبناء السليم، الذي يجعل القطار يسير على السكّة السليمة للوصول إلى الهدف بسهولةٍ ويسر.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-02-2025 08:18 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |