16-02-2025 08:35 AM
بقلم : د. رعد التل
يمر الاقتصاد الأردني اليوم بمرحلة دقيقة ومفصلية. فبعد خمسة عشر شهرًا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي كان له تأثير كبير على الاقتصاد الأردني واقتصادات المنطقة بأكملها، تأتي إدارة أميركية جديدة لتعيد خلط الأوراق في المنطقة من جديد، وتقرر إيقاف المساعدات لمدة ثلاثة أشهر بهدف مراجعتها ودراستها كما تدعي! في وقت يواجه فيه الاقتصاد الاردني تحديات متزايدة تتطلب استراتيجيات واضحة للتكيف مع المستجدات الإقليمية والدولية.
لا شك بأن ما تقدمه الحكومة من سياسات وبرامج اليوم سيحدد معالم الاقتصاد للفترة القادمة، وسيحدد قدرة الاقتصاد على النمو والتقدم! فالسياسات والبرامج الاقتصادية والمالية التي تعالج التحديات الراهنة على المدى القريب، هامة جداً لأنها ستضمن وتثبت الاستقرار الاقتصادي على المديين المتوسط والبعيد!
بالتأكيد خيار ترحيل الازمات ليس وارداً، فرئيس الحكومة من مدرسة مواجهة الازمات وليس ترحيلها، كما أنه لم يعد هناك وقت لترحيل أي أزمة فالوقت ليس بصالحنا! فخلال الاعوام الاخيرة واجه الاردن والمنطقة تحديات كثيرة، وأزمات اقليمية أثرت بشكل مباشر وواضح جداً على اقتصادنا.
وقد تعرض الاقتصاد الاردني خلال العقد الماضي لعدة صدمات داخلية أيضاً أدت إلى تغييرات هيكلية وبنيوية واسعة. فعلى جانب العرض، أصبح قطاع العقارات يحتل المرتبة الثانية بعد الصناعات التحويلية من حيث مساهمته في معدل النمو الاقتصادي الحقيقي، إذ ساهم بنسبة 0.28%، ما يعادل 12.2% من إجمالي معدل النمو الحقيقي البالغ 2.3% خلال الفترة 2009-2021، متقدمًا على قطاعات حيوية مثل النقل والتجارة.
يكمن التحدي الأكبر في هذا التغير الهيكلي في ضعف القيمة المضافة للقطاعات التي تقود الاقتصاد الأردني، إضافة إلى الخلل في توزيع العمالة بين المحلية والوافدة. حيث تشكل العمالة الوافدة أكثر من نصف العاملين في قطاع الإنشاءات، وحوالي ثلثي العاملين في الزراعة، وربع العاملين في القطاعين الصناعي والتجاري.
وفي المقابل، يصدر الأردن العمالة الماهرة بينما يستورد العمالة غير الماهرة، مما يساهم في نقص الكفاءات المحلية وارتفاع معدلات البطالة بين العمال غير المهرة بسبب شروط العمل.
على جانب الطلب، أدى تدفق نحو 1.3 مليون لاجئ سوري إلى المملكة إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الاستهلاكي الخاص، مما زاد من استهلاك الأفراد على حساب الإنفاق الحكومي والانفاق الاستثماري الإجمالي. في المقابل، تحسنت مساهمة صافي الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي. لذا، أصبح من الضروري تنويع النشاط الاقتصادي وتعزيز القطاعات الإنتاجية لخلق قيمة مضافة أعلى، وتمكين الاقتصاد من إنتاج سلع وخدمات قابلة للتصدير، مما يساهم في تحقيق نمو أكثر استدامة.
في عام 2024، سجل الاقتصاد الأردني عدة مؤشرات اقتصادية هامة. فقد بلغ معدل التضخم 1.56% خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر. أما بالنسبة لعجز الموازنة بعد المنح، فقد وصل إلى -6.3% من الناتج المحلي الإجمالي حتى نوفمبر 2024. في المقابل، حقق الاقتصاد الأردني نموًا حقيقيًا بنسبة 2.4% من يناير إلى سبتمبر من العام نفسه. وعلى صعيد العجز في الحساب الجاري، سجل الأردن نسبة -7.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة. أما فيما يخص الاحتياطيات الأجنبية، فقد بلغ إجماليها 21 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2024. وفيما يتعلق بالدين العام، فقد وصل إلى 44 مليار دينار حتى نوفمبر 2024، مما يعكس التحديات المالية التي يواجهها الاقتصاد الأردني في ظل هذه المؤشرات.
إن التحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الأردني قد تكون أكبر المعيقات لتحسن الاداء الاقتصادي وكسر حاجز 2% كمعدل نمو اقتصادي، فإمكانيات الاقتصاد الاردني بلا أدنك أعلى من هذه النسبة كمعدل النمو، يتطلب ذلك جهودًا متواصلة لتحقيق الإصلاحات اللازمة على مستوى السياسات الاقتصادية، بالإضافة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي. من خلال التركيز على تطوير القطاعات الإنتاجية المستدامة، مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، ويمكن للأردن أن يعزز قدراته التصديرية ويخفف من الاعتماد على القطاعات التقليدية. كما أن الاهتمام بالاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين بيئة العمل، وتوفير فرص التدريب والتعليم للأيدي العاملة، سيسهم في رفع كفاءة السوق المحلي وتخفيض مستويات البطالة.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-02-2025 08:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |