16-02-2025 11:27 AM
محمد متعب الفريحات - في ظلّ الساحة الدولية المتأجّجة بتقلّبات السياسة الخارجية وخطط الهيمنة التي لا تعرف الرحمة، يبرز المخطط الأمريكي الأخير بقيادة الرئيس دونالد ترامب كصفعةٍ جليّةٍ في وجه الشعوب التي طالما صمدت أمام محاولات التلاعب بأراضيها وهويتها. إذ يُظهر ترامب، من خلال شطحاته البهيمية، محاولاتٍ ملفقةً لوضع الأردن في فخِّ ترحيل أهالي غزة والضفة، وهي محاولة لا تخلو من جرأةٍ مفرطةٍ وإثارةٍ للدهشة، أمام محاولات الهيمنة التي تستهدف مسألةً لا تكتفي بكونها قضيةً حدوديةً، بل هي قضية كرامةٍ وهوية الشعوب.
ومن بين هذه الصرخات المرتفعة للسياسات العدائية، كان الرد الأردني بمثابة معركة الكلمة والإنجاز، حيث وقف الشعب الأردني والسياسيون صفًّا واحدًا رافضين خطة ترامب الفظّة، ومؤكدين أن أرض فلسطين ليست ساحةَ لعبٍ للمتآمرين، بل هي المهد الذي يحتضن تاريخ الأجداد وإرث الشعوب. لقد جاء الرفض الأردني كصرخةٍ مجتمعيةٍ تهزّ أركان السياسة الدولية، وتعيد التأكيد على أن الحقّ لن يُباع أو يُستبدل بمكاسب زائلة.
إذا كان ترامب يظنّ أن الأردن سيكون البوابة الخلفية لتصفية القضية الفلسطينية، فقد أخطأ التقدير. فمن عمق المجتمع الأردني، بشعبه وقيادته، انطلق الرفضُ كالرعد القاصف: "فلسطين لأهلها، ولن نكون شركاءَ في جريمة التاريخ". هذا الموقف ليس مجرد ردٍّ دبلوماسي، بل هو إعلانٌ بأنَّ القدس ليست للمساومة، وأنَّ الدم العربي الواحد لن يُفرَّق بحدودٍ مصطنعة. جلالة الملك عبدالله الثاني، بحنكته التي تزن الجبال، وضع العالم أمام حقيقةٍ مفادها أنَّ التطبيع مع الاحتلال خيانةٌ، وأنَّ أيَّ حلٍّ لا يُقرّره الفلسطينيون أنفسهم هو سرابٌ لا يرتوي منه الظالمون.
لم يكن الردُّ الأردني، شعبيًّا أو سياسيًّا، مجرد رفضٍ تقليديٍّ، بل جاء صارخًا واضحًا، يُعبّر عن صوت كل أردنيٍّ وعربيٍّ حرّ. لقد أكدت القيادة الأردنية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، أن أرض فلسطين لأهلها، وأن الأردن لن يكون طرفًا في أيِّ مخطّطٍ يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، بل هو امتدادٌ لتاريخٍ طويلٍ من الدعم الأردنيّ الثابت للشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة. إن الرسالة الأردنية كانت ولا تزال واضحةً: لا للمساومة على حقوق الفلسطينيين، ولا لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن أو أيِّ دولةٍ عربيةٍ أخرى.
لم يكن اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجلالة الملك عبدالله الثاني لقاءً عاديًّا أو محادثةً دبلوماسيةً عابرة؛ بل كان مواجهةً حقيقيةً بين دبلوماسيةٍ وقحةٍ وحكمةٍ ملكيةٍ محنّكة. فبينما حاول ترامب نصبَ فخٍّ سياسيٍّ للأردن بطرحه أجنداتٍ تتجاوز كلّ الخطوط الحمراء، أظهر جلالة الملك عبدالله الثاني قدرةً فائقةً على المناورة والردِّ بأعلى درجات الدبلوماسية والحنكة، متجنبًا أيَّ انزلاقٍ قد يهدد مصالح الأردن أو يضعه في موضع ابتزازٍ سياسي.
لقد تعامل جلالة الملك عبدالله الثاني مع الموقف بذكاءٍ استراتيجيٍّ؛ فلم ينجر وراء الاستفزازات، ولم يعطِ ترامب فرصةً لجرّه إلى ردودِ فعلٍ متسرّعة. بل حافظ على هدوئه واتزانه، واستخدم لغةً دبلوماسيةً صارمةً ولكنها غير مستفزّة، مما جعل ترامب يبدو وكأنه يحاول الضغط على جدارٍ صلبٍ لا ينكسر. هذه الحنكة السياسية أعادت رسم حدود الحوار وشروطه، وأظهرت أن الأردن قادرٌ على الدفاع عن قضاياه المصيرية دون أن يفقد علاقاته الدولية أو يخسر حلفاءه.
لا يمكن الحديث عن التصدّي لمخططات ترامب دون الإشارة إلى الدور المحوري لمصر، التي تمتلك من الثقل السياسي ما يمكنها من إحداث تغييرٍ حقيقيٍّ في مسار الأحداث. على مصر أن تُعلن موقفها بوضوحٍ ضدَّ أيِّ مشروعٍ يستهدف اقتطاع أراضٍ من سيناء لصالح مخطط ترامب.
إن الشعب المصري، بمواقفه التاريخية المشرفة، يرفض تمامًا أيَّ محاولاتٍ للتلاعب بالسيادة المصرية أو المساس بالأمن القومي. وليس مقبولًا أن يُفرض على مصر أو أيِّ دولةٍ عربيةٍ أن تكون جزءًا من مخططاتٍ استعماريةٍ جديدة، تُرسم من وراء البحار.
لقد وضع جلالة الملك عبدالله الثاني الكرة في ملعب العرب، مؤكدًا أن الردَّ على خطة ترامب يجب أن يكون عربيًا موحّدًا؛ فلا يمكن لدولةٍ واحدةٍ أن تواجه هذه المخططات بمفردها، ولا يمكن أن يُكتب لأيِّ موقفٍ النجاح دون وحدة الصف العربي.
إنها لحظةٌ حاسمةٌ في تاريخ الأمة العربية، تتطلب تجاوز الخلافات الثانوية، والوقوف صفًّا واحدًا أمام محاولات تغيير هوية المنطقة ومصير شعوبها. إن مصير القدس وفلسطين هو جزءٌ من مصير الأمة بأسرها، وأيُّ تفريطٍ فيه هو تفريطٌ في الكرامة العربية.
تكاتفُ الشعوب العربية في دعم أهل فلسطين وأهل غزة هو رسالةٌ قويةٌ لكلِّ من يحاول التشكيك في مواقف الأردن ومصر. الابتعاد عن المهاترات العدائية والتشكيك في النوايا هو ما يحتاجه العرب في هذا الوقت العصيب. على الشعوب العربية أن تقف صفًّا واحدًا، داعمةً للأردن ومصر في مواجهة المخططات الأمريكية الوقحة التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار والسيطرة على مقدرات الأمة.
في النهاية، يبقى الأمل في وحدة الصف العربي والتكاتف الشعبي، كحائطِ صدٍّ منيعٍ أمام كلِّ محاولات الهيمنة والتفريق. إن وحدة الموقف العربي وتماسك الشعوب هو الضمانة الحقيقية للحفاظ على الحقوق والمقدسات والكرامة الوطنية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-02-2025 11:27 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |