17-02-2025 08:59 AM
بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
.. كلما جلست مع مجموعة ما، اسمع منهم جملة تزعجني جدا وهي: (بدهم ايصفوا الكظية).. أنا لا أريد أن أقول (قضية)، سأقولها بالفلسطينية الفصيحة (كظية).
متى سيقومون بتصفية القضية؟ إذا استطاعوا منع (السماق) الذي ينبت في جبال سلفيت من النمو، واستطاعوا أن يقنعوا الجبال هناك بأن تكون عاقرا جرداء حتما يستطيعون تصفية القضية.. السماق في (سلفيت) كان ينبت قبل الثورة الفرنسية وقبل مولد أميركا، وقبل (نيتشه).. وقبل (جان جاك روسو).. إذهبوا إلى الجبال واعقدوا معها مفاوضات هل سترضى؟ الجبال لا تقبل ما بالكم بالبشر.
إذا استطاعوا أن يمروا على حي في نابلس، أو مقهى.. أو يجلسوا بجانب صخرة في جبل عيبال، ويقنعوا الجدران بأن لا تردد صدى الحكايات التي يرويها الناس هناك عن (الحاج معزوز المصري)، إذا استطاعوا عمل (ديليت) من العقل النابلسي لهذا الرجل، واستطاعوا أن يقنعوا النسمات التي تمر على جرزيم بأن لا تترحم على شيخ نابلس، وأعلى شوامخها.. حتما سيتجرأون على تصفية القضية.
وإذا مر الشتاء باردا على مخيم الوحدات، وتمنعت (إبرة) في كف صبية من نسج (تطريزة) فلسطينية على (كوفلية) الطفل الذي ولد للتو...تمنعت وحدها، دون أن تحتضنها الأصابع والأكف.. حتما يستطيعون تصفية القضية.
وإذا اقتنع (الخلايلة) يوما بأن يحولوا تكية ابراهيم الخليل، إلى مصنع (سباغيتي) وارتضوا يوما بأن تخبو النار تحت قدور (التكية) حتما سيقومون بتصفية القضية.
وإذا مر الصبح يوما، على عجوز في جنين، ولم تجد في بيتها (زيت سيرج)، ولم تقدم وصفات للأمهات المستجدات في كار الرضاعة للتو، حول أهمية الزيت في تدليك الجنين وإزالة التشنجات عنه، فاعرف أن القضية في إطار التصفية حتما.
وإذا عبرت على القدس يوما، على السوق القديم فيها، بعد الإفطار تماما، ولم تشاهد صبايا في عمر الورد يرافقن الوالدة والوالد لصلاة التراويح، وواحدة منهن تمسك بكف أبيها، وكأنها لا تريد الصلاة بعيدة عنه، والأخرى تساوي انعاطفة المنديل على جبهة الوالدة، إذا لم تشاهد هذه الصورة على أدراج الأقصى في كل رمضان فاعرف أن القضية في إطار التصفية.
وإذا مررت بطولكرم يوما، وتناولت من عناقيد العنب التي تحملها الصبايا على الأكف، ولم تشعر بأن الطعم يشبه قبلة على خد صبية أحلى من غيم تشرين.. ولم تشعر بأن الطعم معتق وأقدم من أميركا ذاتها، ومن وثيقة استقلالها فاعرف أن القضية في إطار التصفية.
وإذا صحوت يوما على غناء لفرقة (الحنونة)، وشاهدت ذاك الفلسطيني العتيق الذي يعزف على (اليرغول) وشاهدت الحرب بين أصابعه وبين ثقوب اليرغول، وأطربك الصوت لدرجة أدركت فيها أن الحرب ما بين أصابع الفلسطيني وثقوب اليرغول هي أقدم من حرب الشمال والجنوب في أميركا، فاعرف أن القضية في إطار التصفية.
فلسطين ليست جغرافيا فقط، هي روح تسري في ورق الزيتون في نسمات الهواء، في المسخن، في فناجين القهوة، في كحل العيون، في كف طفلة خضبت للتو بالحناء، في وميض عيون والدة الشهيد، في الدم الخضيب الذي سال على تراب أشهى من العسل، في ارتعاشة الكتف لحظة السجود لله، في ترنيمة الراهب وجرس الكنيسة..
هل يستطيعون اغتيال الروح؟.. لهذا كل من يقول (بدهم ايصفوا القضية) لا يعرف معنى الروح الفلسطينية حتما.
Abdelhadi18@yahoo.com
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-02-2025 08:59 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |