حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,22 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2169

د.عاصم منصور يكتب: التهجير القسري من "درب الدموع" إلى غزة، التاريخ يعيد نفسه

د.عاصم منصور يكتب: التهجير القسري من "درب الدموع" إلى غزة، التاريخ يعيد نفسه

د.عاصم منصور يكتب: التهجير القسري من "درب الدموع" إلى غزة، التاريخ يعيد نفسه

18-02-2025 09:14 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة حول تهجير سكان غزة قسرا إلى دول الجوار زلزالا سياسيا وصلت هزاته الارتدادية إلى كافة أرجاء العالم؛ فالذاكرة السياسية الحديثة لم تشهد خطة مماثلة، ولم يتجرأ أي زعيم عالمي في العصر الحديث على التصريح علنا بمثل هذه الفكرة، ومع ذلك؛ فإن القارئ للتاريخ الأميركي يدرك أن ما اقترحه ترامب ليس بدعة جديدة، بل له جذور راسخة في السياسة الأميركية، خاصة في القرن التاسع عشر، عندما قام الرئيس أندرو جاكسون بتهجير القبائل الهندية قسرا في واحدة من أحلك الفصول في تاريخ الولايات المتحدة، والمعروفة بـ"درب الدموع".


ففي عام 1830، وقع الرئيس جاكسون قانون إزالة الهنود، الذي أجبر آلاف السكان الأصليين على مغادرة أراضيهم في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة إلى مناطق غرب نهر المسيسيبي، كان الهدف من هذه السياسة هو فتح الأراضي الخصبة أمام المستوطنين البيض، على حساب السكان الأصليين الذين فقدوا أراضيهم وحقوقهم وحياتهم. هذه الرحلة القسرية التي عرفت بـ"درب الدموع"، والتي تعد واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في تاريخ الولايات المتحدة، تسببت في معاناة انسانية هائلة، حيث قضى عشرات الآلاف منهم بسبب الجوع والمرض والظروف القاسية أثناء الرحلة.

"درب الدموع" أصبح رمزا للظلم والاضطهاد الذي مارسته الحكومة الأميركية ضد السكان الأصليين، وترك ندوبا عميقة في تاريخ البلاد، فهذه السياسة لم تكن مجرد قرار سياسي، بل كانت تعبيرا عن رؤية جاكسون التي وضعت المصالح الاقتصادية والسياسية فوق الكرامة الإنسانية.
التشابه بين ترامب وجاكسون كبير وواضح، فكلا الزعيمين صعدا إلى السلطة من خلال تحدي النخبة السياسية وتقديم نفسيهما كصوت للشعب؛ جاكسون الذي كان يعرف بـ"رئيس الشعب"، ركز على تمثيل المواطن العادي ضد النخبة السياسية والاقتصادية في واشنطن وبالمثل؛ قدم ترامب نفسه كمدافع عن "الأميركي المنسي"، مهاجما "المستنقع" السياسي والمؤسسات التقليدية التي اعتبرها معادية لمصالح الشعب.
كما استخدم كلا الرئيسين أساليب غير تقليدية للتواصل مع قاعدتهما الانتخابية؛ جاكسون اعتمد على خطاباته النارية التي كانت تستهدف مشاعر الغضب الشعبي؛ بينما برع ترامب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر، للتواصل المباشر مع قاعدته الشعبية. هذه الشعبوية جعلت منهما رمزين للتغيير، لكنها أيضا أثارت انقسامات عميقة في المجتمع، انقسامات لن تتعافى منها الولايات المتحدة بسهولة.
إضافة إلى ذلك، يجمع بين الرئيسين ازدراؤهما للمؤسسة القضائية؛ لذلك لم يكن غريبا أن يغرد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس قبل سنوات ناصحا ترامب حول كيفية الرد على محاولات بعض القضاة تعطيل أوامره التنفيذية، مستشهدا بعبارة شهيرة لجاكسون " المحكمة أصدرت حكمها، فلتحاول أن تنفذ هذا الحكم" هذه العبارة؛ التي قالها جاكسون في تحد صارخ للقضاء، تعكس رؤية مشتركة بين الزعيمين في التعامل مع المؤسسات التي تعارض سياساتهما.
كما كان الحال مع "درب الدموع" في الجنوب الأميركي؛ فإن "درب الدم" في غزة، إن حصل؛ سيؤدي إلى كارثة إنسانية، لذلك قوبلت الفكرة التي طرحها ترامب بانتقادات واسعة من قبل المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان؛ حيث اعتبرها الكثيرون انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وتهديدا لوجود الفلسطينيين على أرضهم التاريخية.
وكما خلف "درب الدموع" وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة؛ فإن تهجير سكان غزة سيترك وصمة مشابهة في تاريخ البشرية، فهذه السياسات التي تتجاهل الكرامة الإنسانية وحق الإنسان في العيش على تراب وطنه؛ لا تؤدي فقط إلى معاناة آنية؛ بل تخلق كوارث إنسانية طويلة الأمد يصعب تجاوزها.
في النهاية، يبقى السؤال: هل سنتعلم من دروس التاريخ؛ أم أننا محكومون بتكرار أخطائه؟











طباعة
  • المشاهدات: 2169
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
18-02-2025 09:14 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم