18-02-2025 09:33 AM
بقلم : سارة طالب السهيل
دق الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مسماراً في نعش مخطط تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر والسعودية، بحرفية دبلوماسية، قافزا على الأمواج المتلاطمة لثورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وأرضهم تحت أهداف أو مزاعم إعادة الإعمار أو شراء غزة في صفقة لتحويلها لمنتجعات سياحية أو استغلالها في مشروعات ترامبية غير معلنة.
لجأ جلالة الملك إلى احتواء المطالب الترامبية بذكاء جعلته لا يدخل في مواجهة أو صراع مع الرئيس ترامب التاجر الشاطر، وأفسد عليه صفقته بحرفية وحنكة سياسية، معبرا عن رفضه لتهجير الفلسطينيين، وأن هذا الرفض جاء من مرجعية مسؤوليته عن شعبه الرافض للتهجير، وأنه لا يستطيع القبول بصفقة لا يرتضيها هو ولا شعبه، ولذلك عبر الملك عن رفض بلاده القاطع لأي توطين للفلسطينيين في الأردن.
ولا شك في أن الملك قد تكبد معاناة الضغوط الأميركية لتمرير مخطط التهجير، لكنه قد استمد قوته في موقفه الثابت من الرفض للتهجير من منطلقات شعبية تدعم خطواته لحماية الفلسطينيين من ضياع وطنهم، ومن منطلقات المصالح العليا للأردن.
كما استند الملك عبد الله الثاني في موقفه على ثوابت المرجعية العربية التي تنطلق من حقيقة أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب، وبالتالي لا يمكن لأية دولة عربية أن تنفرد بقرار يخصها، ولذلك وجدنا الملك يركز في لقائه بالرئيس ترامب على أهمية البعد العربي.
فالعمل العربي المشترك بشأن القضية الفلسطينية ركيزة عبر عنها الملك في زيارته لواشنطن عبر ما سوف يصدر من قرارات عربية في القمة العربية المرتقبة 27 الشهر الجاري.
وبذلك وصلت الرسالة للرئيس الأميركي بأن موقف الملك ينطلق من ثوابت وطنية داخلية وأخرى عربية لا يمكن تجاوزها أو الانحراف عنها لتحقيق مآرب إسرائيل في المنطقة؛ مما يحيل المنطقة إلى كتلة مشتعلة من النيران بما يهدد السلم الإقليمي والعالمي.
لكن الملك لم يتغافل عن كوامنه الإنسانية التي دفعته إلى إعلان استعداده استقبال 2000 من أطفال غزة المصابين بالسرطان لتلقي العلاج بالأردن، وهي اللفتة الإنسانية التي أثنى عليها الرئيس ترامب نفسه.
ومنذ اكثر من عام وهناك أطفال من غزة يعالجون في المستشفيات الأردنية وهذا العمل الإنساني لا ينقطع اتجاه غزة والفلسطينيين.
بينما جاء ذكاء الملك في إجابته على سؤال بالمؤتمر الصحفي بأميركا، حول إذا ما كان للأردن أن يوفر قطعة أرض يعيش فيها الفلسطينيون، ليجيب الملك بأنه سيعمل ما فيه مصلحة بلده. لا شك في أن مصلحة بلده ترتبط بمواقف شعبه الرافض للتهجير.
ولذلك وجدت إسرائيل في موقف الملك، الحازم، فيما ورد في صحافتها، عقبة كبيرة أمام أي خطط لإسرائيل أو أميركا يختص بغزة، وفي السياق نفسه وصفت إحدى الصحف الإسرائيلية موقف الملك من التهجير بالصلب الذي يعقد الأمور عليهم، ولذلك وجدنا التفافا إسرائيليا على دول إقليمية أخرى لتنفذ مخطط التهجير التي قبلت فعليا بتهجير الفلسطينيين إليها.
برأيي أن زيارة الملك حققت العديد من المكاسب للأردن وللعرب وللفلسطينيين كما يلي: أولا بالنسبة للأردن، فإنها أكدت اصطفاف الشعب الأردني كله خلف قيادته وافتخاره بالحنكة السياسية لجلالة الملك في إعلان رفضه القاطع لتهجير الفلسطينيين على حساب الأردن، وقد ترجم الشعب الأردني موقفه الداعم لمليكه في استقباله جلالته بكل حفاوة وخروج الناس من المحافظات لإعلان تأييدهم لموقفه المشرف والمعبر عن إرادتهم.
فيما قال الملك حول هذا التأييد الشعبي الأردني بتغريدة: أستمد طاقتي وقوتي منكم مواقف ثابتة وراسخة، وسأفعل الأفضل لبلدي دائما، وأبدا فمصلحة الأردن فوق أي اعتبار.
وبالنسبة للعرب، فان جلالة الملك قد انتصر للبعد العربي ودوره في إيجاد حلول للقضية الفلسطينية عبر القمة العربية المرتقبة نهاية الشهر الجاري، وهنا لا بد من وجود موقف عربي موحد يساند ويدعم بقاء الفلسطينيين على أرضهم وترابهم الوطني. وعلى الصعيد الفلسطيني فان إعلان الملك رفض تهجير الفلسطينيين قسريا، معللا ذلك بخطورته على استقرار المنطقة، وأن الحل الوحيد لوقف أتون الصراع هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
والحقيقة أن رفض الملك تهجير الفلسطينيين في لقائه الأخير بالرئيس الأميركي، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه رفض للتهجير عبر صفقة القرن إبان ولاية الرئيس ترامب الأولى، والتي اعترف فيها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأوقف المساعدات الاقتصادية للضفة وغزة ودعم مخطط إسرائيل بضم غور الأردن، غير أن هذه المخططات الترامبية قد فشلت بفضل الموقف الثابت للملك في رفض التهجير للفلسطينيين إلى الأردن، وجزمه بأن الأردن لن يكون طرفا في أية حلول علي حساب الفلسطينيين.
ومن اصدق ما قاله ترامب في وصفه الملك عبدالله الثاني: «الملك عبدالله هو واحد من أفضل القادة في العالم وأريد فقط أن أخبركم أنكم محظوظون به، وأنا أقول ذلك من قلبي أنتم محظوظون جدا جدا به، حفظكم الرب جميعا.. لديكم حياة رائعة وملك رائع" ومن هنا اقول، نجح الملك في تحويل الأردن إلى «صوتٍ عالٍ» يُعبّر عن ضمير الأمة، دون أن يجعل البلاد تدفع ثمنًا سياسيًا أو اقتصاديًا. بجمعِه بين الحكمة والصلابة، قدّم نموذجًا يُثبت أن الدبلوماسية ليست «فن الممكن» فحسب، بل أيضًا «فن صناعة المستحيل» عندما يتعلق الأمر بالثوابت.
تحية للملك السياسي الذي حوّل المبادئ إلى سياسات، والكلمات إلى فعل.
ليس غريبا على ملكنا مواقفه الثابته والراسخة في عمق الوطنية والانتماء والعروبة الملك السياسي المحنك الدبلوماسي اللبق صاحب القلب الصادق والضمير الحي تحية عربية هاشمية أصيلة لشجاعتك ووطنيتك.
الرأي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-02-2025 09:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |