بقلم : عوني الداوود
معقول؟ أن يسأل جلالة الملك عبدالله الثاني، بعد 25 عامًا، سؤالًا يجيب عليه تصريحًا مباشرًا، وتصرفًا واقعًا وعمليًّا في كل تصريحاته ومواقفه، وفي كل حركاته وسكناته؟ معقول؟ وهو، كما قال سابقًا ويؤكد في كل مرة: «أنا هاشمي، كيف أتخلى عن القدس والوصاية والمقدسات؟!».. ويكرّر لاءاته الثلاث التي أصبحت أيقونة يردّدها كل الأردنيين:

(كلا للتهجير / كلا للتوطين / كلا للوطن البديل).

فما الذي يجعل الملك مضطرًّا في كل مرة إلى «التأكيد على المؤكَّد»؟ لماذا يضطر جلالته إلى تثبيت الثوابت؟ أعتقد أن علينا نحن أن نجيب على هذا السؤال على النحو التالي:

1 - حين يكون هناك نفر في الداخل ممن يأتمرون بالخارج ويعمدون إلى إثارة الفتنة وخلق البلبلة، يعمد جلالته إلى قطع الطريق عليهم وتأكيد المؤكَّد، ويسأل: «بعد 25 سنة، ليش أغيّر موقفي؟!».

2 - حين تكون هناك حرب إعلامية على الأردن، قيادةً وجيشًا وشعبًا، باستخدام جحافل الذباب الإلكتروني التي لا تكلّ ولا تملّ، في محاولات بائسة ويائسة لإثارة الفتن، والتفريق بين القائد وشعبه، وخلق سيناريوهات كاذبة صباحًا ومساءً، يتدخل القائد الأعلى ليذود بنفسه عن حمى الأردن والأردنيين؛ لأن «مصلحة الأردن واستقراره» فوق كل الاعتبارات.

3 - حين تتلقّف وسائل إعلام غربية إشاعات تتعمّد إثارة الفتنة والتشكيك في الموقف الأردني الراسخ والثابت، وحين تترجم وكالات أنباء عالمية تصريحات «مضلّلة»، يقطع قائد الوطن الطريق على كل تلك الجهات وأولئك «اللي ما بدهم - أو مش قادرين - يفهموا موقف الملك الثابت: كلا للتهجير في غزة والضفة، وكلا للتوطين، وكلا للوطن البديل».

4 - ليس من المعقول أن يضطر قائد الوطن، جلالة الملك، بعد 25 عامًا من التماس المباشر مع القضية الفلسطينية، وهو الملك الهاشمي وسليل الدوحة الهاشمية، والحفيد الـ 41 لرسول الإسلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام... ليس من المعقول بعد 25 عامًا أن يضطر جلالته إلى التذكير بالثوابت، لمجرد أن هناك من يتعمّد إثارة فتنة «مكشوفة أهدافها ودوافعها وتوقيتها»، سواء من خلال وسائل إعلام تبث تصريحات «مضلّلة»، أو من خلال مواقع تستخدم «السوشيال ميديا» سلاحًا لبث سموم الفتنة، أو جهات تتحيّن الفرص للتشكيك، لأن موقف الأردن - بكل بساطة - يزعجها ويقضّ مضاجعها.

هذا الأردن الذي قدّم، في مواجهة العدوان على غزة، فوق طاقته وقدرته إنسانيًّا وطبيًّا وصحيًّا، وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، واقتصاديًّا لا يزال يدفع فاتورة باهظة بسبب موقفه الصامد والثابت، الذي لا يقايض عليه بكل مساعدات ومنح الدنيا، فكرامة الأردن وسيادته ومبادئه وثوابته لا تُقايَض بالدنيا وما فيها.

5 - تأكيدات جلالة الملك عبدالله الثاني يوم أمس، التي قطع من خلالها الطريق على مزيد من المشككين المغرضين، أعاد جلالته تأكيدها - وبحضور سمو ولي العهد الأمين - وأمام رفاق السلاح، الذين يعرفون حق اليقين قائدهم الأعلى.

أعاد جلالته التأكيد في مناسبة عظيمة، لها رمزية وطنية عزيزة عند كل الأردنيين، وهي «يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى»، هؤلاء جنود أبي الحسين، يلتفون من حوله، ومعهم كل أبناء الوطن، يفدون قائدهم بأرواحهم (جاهزون لارتداء «الفوتيك» والوقوف على يمين جلالته ويساره في مواجهة كل التحديات) دفاعًا عن ثرى الأردن حتى آخر قطرة دم زكية.

6 - الأردن.. موقف ثابت بثلاث لاءات خالدة، موقف ثابت يعبَّر عنه في كل مرحلة بشعارات تحمل المعنى والمضمون نفسيهما، ليس ابتداءً من أن «بوصلة الأردن فلسطين، وتاجها القدس والشريف»، وليس انتهاءً بأن «الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين»، ولن يقبل الأردن إلا بحلٍّ عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية.

وسيعاد إعمار غزة بوجود أهلها الصامدين، وقد سطّروا أروع البطولات على مدى أكثر من 15 شهرًا، فلم تزدهم حرب الإبادة إلا إيمانًا بقضيتهم ورسوخًا في أعماق جذور تراب أرضهم.

حمى الله الأردن، ملكًا ووليَّ عهد وجيشًا وأمنًا وشعبًا... حمى الله فلسطين، حرَّة عزيزة أبيّة.


الدستور