19-02-2025 11:34 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
الرياض على دراية تامة وليست غائبة عما حدث ويحدث في غزة وفي عموم فلسطين ولا عما يحدث في المنطقة باكملها فهي تعلم انها "من حيث التأثير" في قلب الحدث ، والعالم يعلم ان الرياض قادرة على قلب كل الموازين المائلة اصلاً وان لديها من القدرات والإمكانيات ما يؤهلها لذلك ويعلم الجميع ان حركة الرياض المدروسة بعناية هي من يضبط كثيراً من الغوغائية والتَمَرُّد المُنفَلِت الذي يتصدر المشهد اليوم والذي يُريد ان يَنقَضَّ على المنطقة بأسرها ويريد تتطويع الرياض الى ما يُريده من اجل تنفيذ مخططات ماكرة تعلمها الرياض علم اليقين وتتعامل معها بقدرٍ عالٍ من الوعي والرؤية الواضحة جداً دون مبالغة او تهوُّر بل بتروٍّ واتِّزانٍ عميق .
لم يكن اختيار السعودية مكاناً لاجتماع القوة الوحيدة التي تفرض هيمنتها على النظام العالمي بِرُمَّته مع روسيا التي تخشى اوروبا مِن تفاقم الأزمة معها بسبب الحرب الاوكرانية عبثاً او جاءَ من اجل ان يحصل الاثنين على مليارات من الدولارات كما صوَّر ذلك الذين يتربصون بهذه الأُمةِ شرَّاً بأن المملكة مستعدة لدفع مئات المليارات من الدولارات كَهِبَةٍ لامريكا ، فأموال المملكة لا تأتي من مُراهنات او مُقامرات وما هذا إلا تشويش مكشوف لا ينسجم باي حال من الأحوال مع الفكر والمنطق السعودي السليم فلا يُنكِرُ عاقل القدرة الاستثمارية الفائقة التي يتمتع بها الصندوق السيادي السعودي بأرقام تُعتَبر فلكية على جميع المستويات بدأً من الاستثمار على مستوى الصناعات الخفيفة جداً مروراً بالصناعات التحويلية والتصنيع بمختلف مسمياته وانتهاء بالرياضة ،كما ان ما تشهده المملكة من نهضة اقتصادية عالية المستوى في ظِل تردِّي الوضع الاقتصادي العالمي وتَفَرُّدها بامتياز هو دليلٌ على السياسة الاقتصادية الاستراتيجية للدولة في عمل تراكمات لإنجازاتٍ اقتصاديةٍ ناتجٌ عن فكرٍ اقتصادي ومالي قادر على الاخذ بالمملكة الى آفاق ابعد واعلى من التوقعات في ظرف اقتصادي عالمي صعب ،
إن المتابع لصفقة طيران الرياض على سبيل المثال لشراء مئات الطائرات من بوينغ وإيرباص والتي سَتُشَكِّل قفزةً نوعيةً في مجال الطيران في المنطقة والعالم ، يُدركُ ان هذا النموذج يمكن القياس عليه في مجالات حيوية مختلفة تنفذها اليوم واقعا ليس وهماً او خيال ،إن خطواتها الثابتة وتحديداً في العقد الحالي من مسيرتها يؤكد على ثباتها وقدرتها واستحقاقها لهذه المكانة العالمية بامتياز وهذا ما يؤيده الواقع.
لقد خَرجَت السعودية من دائرة المسمى والتأثير المحلي والإقليمي والدولي الى التأثير العالمي المباشر
ودخلت بقوه دائرة مجموعة ( G20 ) دول العشرين الكبرى متصدرة المجموعة بأفضل اداء اقتصادي منذ العام ٢٠٢٢ وعلى الرغم من كونها المُصَدِّرَ الاول للنفط عالمياً إلا انها تَبنَّت سياسة تنوع الدخل إضافةً إلى الدخل المتأتي من النفط في خطتها التي تُعتَبر ثورةً في عِلم التخطيط الاستراتيجي إن على المستوى البعيد او المتوسط او القريب والتي حملت اسم رؤية ٢٠٣٠ والتي ادخلَت السعودية دائرة الأرقام القياسية العالمية من حيث حجم المشاريع والبنى التحتية التي يتم تنفيذها والتي قَطَعَ جزءا كبيرا منها مراحل متقدمة من التنفيذ ، والحديث عن مشاريع تريلونيه تتصدرها مشاريع البحر الاحمر ونيوم ومشاريع جده والمدينة المنورة ناهيك عن الدرعية في الرياض وهذه المشاريع لا أُبالغ اذا ما قلت انها تُعادِلُ في كلفتها وحجمها المالي كل مشاريع العالم على هذه الارض في وقتنا الحالي ،
لن تاخذني العاطفة العربيه او الحميِّة الجاهلية لاقول ان السعوديه اليوم صاحبة القرار المستقل فيما يتعلق بسياستها الخارجية دون الاخذ بعين الاعتبار المناخ والمزاج العالمي المُطَّرِب والمهزوز والهزيل فهذا ضربٌ من الخيال وخروج عن منطق السياسة بل التخلي عن الحكمة والقدرة على مجاراة الحدث العالمي المتقلب والمختلف والمُلتهب وهذا ما تدركه القيادة لما تتمتع به من الحنكة السياسية المعهودة التي يقودها سمو الامير بحكمة واقتدار ، فامريكا صاحبة السيادة العالمية لا تَقدم على عملٍ مؤثرٍ منفرده وانما دوما تعمل على خلق تحالفات عندما تريد ان تفعل امراً ما كما حصل في العراق ويحصل الان في اوكرانيا وكما عملت على صياغة تحالفٍ تقوده للتعامل مع الاحداث ( المُفتَعَلَةِ والمُدَبَّره ) في السودان .
هذه الرؤية التي اعتمدت فكراً ومنهجاً صلباً قابلاً للتطبيق والقياس والتي ابتدأ تنفيذها داخلياً وأتت أُكلها في زمن قياسي قد مَهَّدَت الطريق ومَكَّنَت السعودية وجعلتها قادرة على فرض ارادتها واختيار شركاءها والدخول في تحالفات دولية عميقة مؤثرة بما يحقق مصالحها الداخلية والخارجية ،
تعلم السعوديه حُكماً الحالة الايرانية وتعلم يقيناً تحركها في المنطقة سواء كانت قد حُمِلَت على الاكُف ووضِعَت في اماكن لم تكن لتصل اليها من تلقاء نفسها او إن كان تحركها ذاتياً فإن خطوة المملكة الاستراتيجية في علاقتها معها في هذا الوقت بالذات هو اتجاه معاكس لاتجاه دولي وإقليمي وعالمي مُعلَن في وقت بالغ الأهمية وذلك من اجل مصلحة المملكة العليا دون التفاتةٍ او مجاملةٍ لأحد .
لم يصدر بلاغاً سعودياً رسمياً معلناً عن تغيُّرٍ جذريّ في النظام العالمي أُحادي القطبية ، بل جاء اعلاناً عملياً قامت به منذ ان دعت الصين التي تتجه الانظار نحوها كدولة عظمى لزيارتها والمعروف ان تَحَرُّكها في المسرح العالمي العلني ليس معهوداً ولا مشهوداً ، فجاءت مُمَثلَةً برئيسها المحترم الى المملكة في أواخر العام ٢٠٢٢ لتوَقِّعَ اتفاقيات وعقود غير مسبوقة ومعلَنه ، وكانت قد سبقت هذه الزيارة التاريخية للمملكة زيارة غير عادية للرئيس الامريكي السابق بايدن لتكون هاتين الزيارتين تأكيداً لا يقبل المساومة ولا يقبل التحايل في التحليل على ان المملكة اصبحت وجهة لأعظم قوى على هذه الارض.
ازمة العالم المتفاقمة اليوم بسبب الحرب الظالمةِ على غزة والوضع السوري بعد الاطاحة بالرئيس بشار زادت مِن تفاقم الأزمة الاقتصاديه التي كانت بالاصل هي الازمة العالمية الاولى وثلاثة محاور رئيسية من اصل المُكَوِّن الاقتصادي العالمي للسعودية دوراً محورياً فيه ، فالطاقة وهي المحرك وعمود ومحور الاقتصاد العالمي والذي تملك زِمامَه وأي قرار يصدر عنها زيادةً او نُقصاناً في الإنتاج له اثره المباشر على اسعار السلع وبالتالي له اثره المباشر على عملية التضخم في ارجاء العالم بلا استثناء ،
وثانيهما "الدولار" فهي قادرة مع روسيا أو الصين اذا ما تم اتفاق بشأن التعامل معه فإن وضعه الحالي لن يبقى على ما هو عليه دون الخوض في تفاصيل ذلك وهذا الامر لا يمكن ان يحدث ولا يمكن ان يكون الدولار تحت التهديد إذا لم تكن الرياض طرفاً رئيسياً فيه،ومعلوم مدى تاثير الدولار على الاقتصاد العالمي،
وثالثهما صندوق الاستثمار السيادي السعودي في امريكا واوروبا والعالم بحجم اصول يقترب من التريليون دولار .
دولة لديها كل هذه الامكانات والمُقَدَّرات تعمل بصمت وتتقدم بخطى ثابتة نحو مستقبل ريادي عالمي نتاج ذلك جعلها وُجهةً عالمية كدولة قادرة على ايجاد الحلول ومعالجتها وليس اليوم فقط فقد رأينا ذلك عملياً عندما جاء رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بزيارة عاجلة جداً وعلى جناح السرعة الى الرياض على اثر اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية ، ثم توالت الزيارات للملكة من معظم الدول سواء القريبة من الاحداث او البعيدة التي تخشى وصول الضرر اليها ولو بطريقة غير مباشرة ،
وفي ظل هذه الظروف المتدحرجة والاجواء المليئة بما لايمكن تَوَقُّعه فإن المملكة حاضرة في المشهد العالمي كدولة إنقاذ ودولة حَل إن على المستوى السياسي او المستوى الاجتماعي والاقتصادي العالمي الذي سيكون للمملكة فيها القول الفصل فيما يخص مصلحتها بالدرجة الأولى ومن المؤكد وبما لا يقبل الشك لن تكون المصلحة العربية بعمومها غائبة او بعيدة عنها ،
السعودية بكل هذه الإمكانيات الضخمة والموارد الكبيرة وهذه المكانة العالمية التي لا يمكن تجاوزها في المسرح والمشهد العالمي الحالي والمستقبلي قادرة على اتخاذ قرارات بحجم المملكة وبحجم مُقَدَّراتها وبمستوى يليق بشعبها ومكانتها العربية الإسلامية وبحجم تطلعات العرب لها من المحيط الى الخليج .
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-02-2025 11:34 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |