25-02-2025 09:49 AM
بقلم : تمارا خزوز
أحيانا، يكفي المواطن تحقيق انتصارات صغيرة على الحكومات ليشعر بالرضا، انتصارات بسيطة متعلقة بتفاصيل حياته اليومية—كإعادة النظر في التوقيت الصيفي مثلا، أو تحسين خدمة حكومية، أو حتى رفع مستوى النظافة في الحي. وقد تبدو هذه الانتصارات بسيطة، إلا أن دلالتها عميقة، فهي تذكره أن صوته ما يزال مسموعا لدى صانع القرار.
والحقيقة أن علاقة من هذا النوع بين المواطن والحكومة لا تُبنى من الفراغ، بل تستند إلى نهج اتصالي واسع ومعقد له وزنه وثقله في الديمقراطيات العريقة، حيث لا يُنظر إلى عملية التواصل بين الحكومة والمواطنين باعتبارها مجرد وسيلة للخطابة والإعلام، بل تُعدّ عملية تحليلية وإستراتيجية ذات تأثير مباشر على رسم السياسات واتخاذ القرارات.
فالحكومة تستطيع قياس الأثر الحقيقي لقراراتها، وتقييم سياساتها، وجمع المعلومات حول البدائل المتاحة، ومن ثم توثيقها من خلال إدارة عملية الاتصال الحكومي بفعالية مع مختلف مجموعات المصالح السياسية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، يصبح الاتصال السياسي الحكومي خط الدفاع الأول عن الحكومة والدولة، وهو أشبه بنظام استشعار للمزاج العام. فمن خلال الاشتباك المستمر في المناقشات، والمفاوضات، والتسويات مع الأحزاب داخل البرلمان، وكذلك مع المجموعات غير الممثلة رسميا، كالنقابات، والاتحادات، والهيئات الأكاديمية والبحثية، يمكن للحكومة الحفاظ على توازنها، وتوجيه سياساتها بما يتناسب مع المطالب المجتمعية.
ونظرًا لهذه الأهمية، من الضروري أن تعمل دوائر صنع القرار على مراجعة نماذج الاتصال الحكومي القائمة حاليا، وتقييم فعاليتها، وذلك من خلال الإجابة على أسئلة جوهرية: كمن يتحدث باسم الدولة؟ ومن يتحدث بالنيابة عنها؟ وكيف يستقبل المواطنون هذه الرسائل؟ إذ إن فهم مدى تأثير الخطاب الرسمي على الرأي العام ومدى انسجامه مع الواقع السياسي والاجتماعي هو المفتاح لصياغة إستراتيجيات اتصال أكثر فاعلية.
تبرز مراجعة أخرى أكثر أهمية تتعلق بحجم وسلاسة تدفق المعلومات التي ترسلها الدولة عبر المنصات المختلفة. فمع التطور الهائل في وسائل الاتصال، لم تعد الدول قادرة على التحكم المطلق في عملية التواصل العمودي عبر الإعلام التقليدي، في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي على عملية التواصل الأفقي.
وقد أدى هذا التحول إلى خلق مشهد اتصالي أكثر تعقيدًا، حيث تتداخل المعلومات الرسمية مع الضجيج، والحملات التي يقوم بها متبرعون باسم الدولة، والتي تؤدي في أحيان كثيرة إلى تشويش على الرسائل المركزية المهمة التي تسعى الدولة إلى إيصالها، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
في النهاية، يبقى التحدي الأكبر في قدرة الحكومات على التكيف مع هذه التحولات، وإيجاد نماذج اتصال أكثر مرونة وذكاء، تضمن استمرار التواصل مع المواطنين بشكل استراتيجي وفعال، وتعزز من ثقة المجتمع بمؤسساته الرسمية، وهي أولى الخطوات التي نحتاجها للحفاظ على مؤسساتنا الرسمية وتمتين وتعزيز الجبهة الداخلية.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-02-2025 09:49 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |