26-02-2025 09:52 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
التقى جلالة الملك خلال الأيام الماضية رؤساء اللجان الدائمة في كل من مجلسي الأعيان والنواب، حيث قام جلالته بإطلاع ممثلي المجلسين على آخر التطورات السياسية المرتبطة بالحرب على قطاع غزة، ونتائج زياراته الخارجية التي قام بها إلى كل من واشنطن والرياض.
كما أعاد جلالته التأكيد على الموقف الأردني الرافض لفكرة التهجير باعتبارها من جرائم الحرب، وضرورة وقف التصعيد في الضفة الغربية، والعمل على إعادة إعمار غزة، وأهمية دعم الاستقرار في سوريا ولبنان.
إن هذه اللقاءات الملكية مع رؤساء اللجان الدائمة في مجلسي الأعيان والنواب ترتبط بمجموعة من الدلالات الدستورية الإجرائية منها والموضوعية. ففيما يخص الجانب الإجرائي الشكلي من هذه الاجتماعات، فإن رؤساء اللجان الدائمة في مجلسي الأمة قد تمت دعوتهم للمثول أمام جلالة الملك في مقره، ولم يقم الملك بالحضور إلى مجلس الأمة لهذه الغاية. فهذه الترتيبات الملكية وإن كانت ممارسة وتقليداً ثابتاً، إلا أن لها دلالات دستورية هامة تتمثل باحترام نصوص الدستور فيما يتعلق بالحالات التي يزور فيها الملك مجلس الأمة لمباشرة صلاحياته الد?تورية.
فقد حدد المشرع الدستوري الحالات التي ينتقل فيها الملك إلى مجلس الأمة، والتي تتمثل أهمها بافتتاح الدورة العادية للمجلس وإلقاء خطبة العرش. فالمادة (79) من الدستور تنص على «يفتتح الملك الدورة العادية لمجلس الأمة بالقاء خطبة العرش في المجلسين مجتمعين، وله أن ينيب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء ليقوم بمراسم اﻻفتتاح وإلقاء خطبة العرش». فعلى الرغم من الجواز الدستوري بأن يقوم الملك بإنابة رئيس الوزراء أو أي من وزرائه لهذه الغاية، إلا أنه دائما ما يحرص على الحضور بنفسه إلى مجلس الأمة وافتتاح الدورات العادية السنوية لل?جلس. وهذا الحكم ينسحب على افتتاح الدورات غير العادية لمجلس الأمة، وذلك بدلالة المادة (73) من الدستور التي تنص على أن تُعتبر الدورة غير العادية كالدورة العادية لغايات أحكام الدستور، وتشملها شروط التمديد والتأجيل.
كما يحضر الملك إلى مجلس الأمة ويجتمع بمجلسي الأعيان والنواب في جلسة مشتركة عند توليه العرش ولغايات أداء اليمين الدستورية، حيث تنص المادة (29) من الدستور على أن «يقسم الملك إثر تبوئه العرش أمام مجلس الأمة الذي يلتئم برئاسة رئيس مجلس الأعيان أن يحافظ على الدستور وأن يخلص للأمة».
أما فيما يتعلق بالدلالات الموضوعية للقاءات الملكية مع رؤساء لجان مجلسي الأعيان والنواب فتتمثل بأن الملك هو شريك مع المجلسين في السلطة التشريعية، وأن له بهذه الصفة أدواراً وصلاحيات يمارسها وفق أحكام الدستور. فالملك بصفته «التشريعية» يقوم بتوجيه الحكومة لاقتراح مشاريع قوانين جديدة أو تعديل القائم منها، بحيث يتعين على رئيس الوزراء تنفيذ هذه الأوامر الملكية وإجراء المقتضى التشريعي المناسب. كما يثبت لجلالة الملك بصفته التشريعية الحق في التصديق على مشاريع القوانين التي يقرها مجلسا الأعيان والنواب وذلك ضمن الأطر ?لزمنية والإجرائية المحددة في الدستور.
وإلى جانب هذه الصلاحيات التشريعية التقليدية، فإنه يثبت لجلالة الملك بصفته جزءاً من السلطة التشريعية صلاحيات دستورية أخرى تتمثل بالتوجيهات التي يرسلها إلى «المشرعين» أعضاء مجلسي الأعيان والنواب في موضوعات تتعلق بالسياسة العامة للدولة ومصالحها العليا، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأوقات. فالأهم الأكبر لجلالة الملك هذه الأيام هو الحفاظ على وحدة الأردن وتحقيق مصالح شعبه، وهو الموقف الشجاع الذي عبّر عنه جلالته خلال لقائه الأخير بالرئيس الأميركي ترامب بقوله إنه سيضع مصلحة بلده فوق كل اعتبار.
إن نتائج هذه اللقاءات الملكية النيابية يجب أن تتمثل في التقاط أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ممثلين برؤساء اللجان الدائمة فيها، الإشارات والتوجيهات التي أرسلها لهم جلالة الملك، وذلك لكي يسير المجلس التشريعي على هديها، سواء على مستوى التشريع أو في مجال الرقابة على أعمال الحكومة وقراراتها. فالعمل التشريعي وإصدار القوانين المناط دستوريا بمجلس الأمة يجب أن يعكس رؤى وتطلعات جلالة الملك للدولة الأردنية على المستويين الداخلي والخارجي، وأن يسعى المجلسان إلى مساندة الملك تشريعيا من خلال «قوننة» أفكاره السياسية ومشاريع? الاقتصادية والاجتماعية في نصوص قانونية ملزمة وقابلة للتطبيق.
أما على مستوى الرقابة السياسية، فإن جلالة الملك هو رئيس السلطة التنفيذية ويمارس صلاحياته الدستورية من خلال وزرائه، بالتالي فمن المهم أن يتعرف أعضاء مجلسي الأعيان والنواب على أفكاره المتعلقة بكيفية إدارة الملفات الحيوية في الدولة، والتي ستتولى الحكومة ضمن ولايتها العامة في إدارة كافة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.
فإن كانت الحكومة ممثلة برئيسها والوزراء فيها هي الجهة التي يفترض بها أن تترجم تطلعات الملك وتخرجها إلى حيز الوجود، فإن السلطة التشريعية تمارس دورا رقابيا عليها، وذلك في حال ما قصرت أو عجزت عن تنفيذ هذه الرؤى الملكية. فلكي يراقب النائب أو العين على الحكومة، فإنه يجب عليه أن يكون مطلعا على ما يدور في ذهن الملك من أفكار، وهو الأمر الذي يحرص جلالته على القيام به من خلال لقاءاته الدورية مع رؤساء اللجان الدائمة في مجلسي الأعيان والنواب.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-02-2025 09:52 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |