02-03-2025 10:17 AM
بقلم : د. رعد التل
شهدت جلسة مجلس الوزراء الاخيرة مجموعة من القرارات الاقتصادية المهمة والتي تشير الى تحول مهم في التعامل مع الملفات الاقتصادية..
شملت تلك القرارات تخفيض قيمة الودائع البنكية للأجانب، صرف الرديات الضريبية المتأخرة، ووضع إطار قانوني للتعامل بالأصول الافتراضية. مجمل تلك القرارات يعكس توجهاً عملياً لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي من خلال تحفيز الاستثمار، تحسين السيولة النقدية، وتنظيم الأنشطة المالية الحديثة.
القرار الأول يشير إلى توجه حكومي لتعزيز الجاذبية الاستثمارية للاردن، وذلك بتخفيض قيمة الودائع المطلوبة للأجانب الراغبين في تجديد إقاماتهم، حيث أن تخفيض قيمة الوديعة إلى 10 آلاف دينار بدلاً من 20 ألف دينار يسهل إقامة المستثمرين الأجانب، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق المحلي وتحريك الأسواق المختلفة. كما أن إشتراط مرور عامين على إقامة الأجنبي قبل الاستفادة من التخفيضات يضمن استقطاب مستثمرين جادين يسعون للاستقرار، بدلاً من المضاربين الباحثين عن مكاسب قصيرة الأجل. مقارنة بالأنظمة المعمول بها في دول الجوار، قد يساعد هذا القرار في جعل الدولة وجهة أكثر جاذبية للمستثمرين والمقيمين، مما يعزز من أداء الاقتصاد الكلي.
ثاني تلك القرارات المهمة نحو تحفيز الاقتصاد عبر تحسين السيولة النقدية، هو قرار الحكومة بصرف الرديات الضريبية. فصرف الرديات المتأخرة للأفراد والشركات يعزز القدرة الشرائية ويزيد الطلب على السلع والخدمات. كما أن تخفيف الأعباء المالية يساعد الشركات في تحسين تدفقاتها النقدية، ما يمكّنها من الاستثمار، دفع الأجور، وتمويل مشاريع جديدة.
من الناحية النظرية، زيادة الرديات تعني إعادة أموال كانت مجمدة لدى الحكومة إلى الأفراد والشركات، مما يرفع حجم الأموال المتاحة للإنفاق أو الاستثمار. هذه الزيادة في الأموال تنشط الحركة الاقتصادية، حيث ينفق الأفراد جزءًا من المبالغ المستردة على الاستهلاك، مما يعزز الإيرادات التجارية ويشجع الشركات على زيادة الإنتاج والتوظيف. بالنسبة للشركات، تحسين التدفقات النقدية يمكنها من تسديد الالتزامات المالية وتوسيع أنشطتها أو الاستثمار في مشاريع جديدة.
كما أن استكمال نظام الفوترة والرقمنة يحد من التهرب الضريبي، ويجعل النظام الضريبي أكثر عدالة، مما يعزز ثقة المواطنين والشركات في السياسة المالية للحكومة. إن إنفاق 26 مليون دينار (صرف كامل رديّات ضريبة الدخل المتأخرة عن السنوات 2020 – 2022 وصرف 50%من رديّات عام 2023) على تسديد الرديات المتراكمة يضخ أموالاً في السوق، مما يسهم في تحريك الدورة الاقتصادية، خاصة في ظل تباطؤ بعض القطاعات الإنتاجية.
القرار الثالث تمثل بإقرار مشروع قانون الأصول الافتراضية، والذي يعدُ خطوة هامة نحو تنظيم قطاع سريع النمو. فوجود إطار قانوني واضح ينظم التعامل بالأصول الافتراضية يمنح المستثمرين الأمان ويجذب رؤوس أموال جديدة إلى الاقتصاد المحلي. كما يضمن القانون وجود رقابة فعالة على تداول الأصول الرقمية، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالمضاربات وتقلبات الأسعار الحادة، ويساهم في الحد من عمليات غسل الأموال والاحتيال المالي، مما يحمي الاقتصاد الوطني من الممارسات غير المشروعة. فمن خلال الترخيص للأنشطة المرتبطة بالأصول الافتراضية، من الممكن أن تنفتح آفاق جديدة أمام رواد الأعمال والشركات الناشئة للاستفادة من التطورات التكنولوجية في القطاع المالي. كما يضع القانون ضوابط واضحة تمنع الفوضى في سوق الأصول الرقمية، دون كبح الابتكار في التكنولوجيا المالية.
إن وجود إطار تشريعي يسهّل التعاون مع الجهات الرقابية في الدول الأخرى لمكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود، وتعزيز تبادل المعلومات في هذا المجال. ويحدد الأنشطة المسموح بها والمحظورة، ويضع عقوبات رادعة على المخالفين؛ وبذلك يوفر حماية متكاملة للمتعاملين، ويحد من عمليات الاحتيال والتلاعب في الأسواق. كما يسمح بترخيص عدد من الأنشطة المتعلقة بالتعامل بالأصول الافتراضية، ويحظر في الوقت ذاته استخدامها لأغراض الدفع إلا وفقاً لمتطلبات يحددها البنك المركزي. كل ذلك يؤسس مشروع القانون لبيئة مالية آمنة ومستدامة، تواكب التطورات العالمية وتحمي الاقتصاد الوطني من المخاطر المحتملة، مع فتح آفاق جديدة للنمو والابتكار في قطاع الأصول العالمية الافتراضية.
تعكس هذه القرارات توجهاً استراتيجياً لتحقيق نمو اقتصادي مستدام عبر تسهيل الإقامة والاستثمار للأجانب، تحسين التدفقات النقدية عبر صرف الرديات، وتنظيم الأسواق المالية الناشئة، وستساهم هذه السياسات في في تحقيق اهداف رؤية التحديث الاقتصادي من خلال تعزيز ثقة المستثمرين، ودعم القطاع الخاص، وتحقيق بيئة مالية أكثر استقراراً وجاذبية. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الإجراءات مرتبطاً بمدى كفاءة تنفيذها، وتفاعل السوق معها، والقدرة على التكيف مع التطورات الاقتصادية العالمية.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-03-2025 10:17 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |