حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,3 مارس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2284

الدكتور المحامي ربيع العمور يكتب: أوروبا بين التحدي والوحدة الهشة: هل تستطيع مواجهة بوتين وترامب معًا؟

الدكتور المحامي ربيع العمور يكتب: أوروبا بين التحدي والوحدة الهشة: هل تستطيع مواجهة بوتين وترامب معًا؟

الدكتور المحامي ربيع العمور يكتب:  أوروبا بين التحدي والوحدة الهشة: هل تستطيع مواجهة بوتين وترامب معًا؟

02-03-2025 10:56 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور المحامي ربيع العمور
في الوقت الذي يطل فيه دونالد ترامب من جديد على الساحة السياسية العالمية، عادت أوروبا إلى نقطة مفصلية في تاريخها المعاصر، حيث تتحكم في مصيرها خيارات استراتيجية تتقاطع فيها التحديات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية. مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، يجد القادة الأوروبيون أنفسهم أمام مفترق طرق حاسم: هل يمكنهم، في مواجهة تهديدات بوتين المتصاعدة، الوقوف مستقلين عن الولايات المتحدة، أم أن النظام الدولي الهش سيجبرهم على العودة إلى دور التابع الذي لطالما اعتمدوا عليه في حقب تاريخية سابقة؟
إذا كانت أوروبا قد أظهرت وحدة غير مسبوقة في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا، فإنها الآن في مفترق طرق تاريخي. في ظل هذه التقلبات، يبرز السؤال الحارق: هل يمكن لأوروبا أن تكون القوة العالمية المستقلة التي يمكنها مواجهة خطر بوتين وآراء ترامب المعادية للاتحاد الأوروبي، أم أن قوتها ستظل دائمًا رهينة لحسابات واشنطن؟
لمحة تاريخية: من الاتحاد إلى التفكك، بين الماضي والحاضر

أوروبا التي تعيش اليوم فترة من عدم اليقين، لم تكن دائمًا كما نراها اليوم. من إمبراطورية روما إلى الحروب العالمية التي دمرت القارة، كانت أوروبا في مراحلها المتعاقبة تعاني من الحروب والانقسامات، ثم يطل عليها دوماً فجر مرحلة جديدة من محاولات التوحد. الحرب العالمية الثانية خلقت توازنًا جديدًا لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، وجاءت المبادرة الأوروبية الكبرى مع إنشاء الاتحاد الأوروبي، الذي شكل أملًا بعيد المدى في استقرار القارة، ولكن هذا الأمل اليوم يتآكل أمام مخاطر الجغرافيا السياسية الجديدة.
أمام هذه الديناميكيات، تأتي الحرب في أوكرانيا كأكبر اختبار لمؤسسات أوروبا الحديثة. ومع عودة ترامب إلى الحكم، يصبح السؤال الأبرز: هل تستطيع أوروبا الحفاظ على وحدتها الاقتصادية والسياسية في وجه التحديات التي تلوح في الأفق؟
التحديات الاقتصادية: عبء الحرب وسوء إدارة الموارد
1. أزمة الطاقة والاقتصاد المعتمد على الطاقة الروسية

في الوقت الذي تم فيه تقليص الإمدادات الروسية من الغاز والنفط، دخلت أوروبا في أزمة طاقة حادة. أسعار الطاقة المتقلبة، التي استمرت في التأثير على الإنتاج الصناعي والتوسع الاقتصادي، أظهرت مدى ضعف القارة في الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية. مع الحرب، أصبح التحدي أكثر تعقيدًا، حيث لا تقتصر الضغوط الاقتصادية على أزمة الطاقة فحسب، بل أيضًا على التضخم المرتفع وتباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الأوروبية.

ومع عودة ترامب، المعروف بميله إلى السياسات الحمائية، قد يزيد الضغط على الاقتصادات الأوروبية من خلال تعريفات جمركية وتضييق فضاءات التجارة الحرة، مما سيزيد من صعوبة تعافي القارة. ومع كل هذا، يظهر السؤال المؤلم: هل سيكون لدى أوروبا القدرة على تمويل استراتيجية دعم أوكرانيا في ظل هذه الضغوط؟
2. تكلفة استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا
من غير المتوقع أن يتحمل الاتحاد الأوروبي التكاليف الباهظة لهذا الصراع لفترة طويلة. كانت الولايات المتحدة، على الرغم من تراجع ثقتها، تلعب دور الممول الأساسي للمساعدات العسكرية، ولكن مع تهديدات ترامب بتقليص الدعم أو فرض شروط قاسية على الأوروبيين، سيجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام خيارين غير مريحين: إما مضاعفة استثماراته العسكرية وتحمّل الأعباء المالية المتزايدة أو التفكير في حلول تسوية قد تفضي إلى تقليص الدعم لكييف، وهو ما يتعارض مع مواقف العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد.
التحديات العسكرية: أمن أوروبا بين الالتزام الأمريكي والاستقلالية المفقودة
1. تهديدات ترامب للناتو، ومستقبل حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا
ترامب الذي لطالما وجه انتقادات حادة لحلف الناتو، لن يتوانى عن تنفيذ وعوده بتقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية في أوروبا. إذا اتبعت الإدارة الأمريكية هذا النهج، سيجد الناتو نفسه في مأزق حول مستقبل دوره في الدفاع عن أوروبا. من جهة أخرى، لا تزال معظم الدول الأوروبية تعتمد على القدرات الدفاعية الأمريكية. على الرغم من مبادرات مثل إنشاء "الجيش الأوروبي"، فإن إنشاء قوة مستقلة قادر على الوقوف بوجه روسيا لا يزال بعيد المنال.
وفي ظل هذه الوضعية، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: هل يمكن لأوروبا، التي لا تزال تفتقر إلى القدرة الدفاعية المشتركة القوية، أن تحمي نفسها من تهديدات بوتين في حالة تراجع الدعم الأمريكي؟ وإذا كانت أوروبا قادرة على تطوير قوتها العسكرية، فما هو الثمن السياسي الذي ستدفعه في سبيل ذلك؟
2. جبهة أوكرانيا: مسألة النفوذ والسيادة
بالرغم من التطورات العسكرية التي أظهرتها الجيوش الأوروبية، إلا أن الدعم الأوروبي لا يزال محصورًا في ضوء الفعالية المحدودة للمساعدات العسكرية والموارد. وعندما تكون واشنطن هي المصدر الرئيس للأسلحة والمساعدات العسكرية، تصبح الخيارات الأوروبية محدودة في خلق تحالفات دفاعية استراتيجية مع كييف، ما يعزز الحاجة إلى تغييرات جذرية في النظرة الأوروبية للأمن الوطني. ولكن إذا لم تزد أوروبا من قدرتها على الاستثمار في جيوشها، قد تجد نفسها في النهاية عاجزة عن التصدي للتهديدات الأمنية المستقبلية.
سياسة ترامب: أسلوب "الصدمة والترويع" ومرحلة جديدة من التحديات
على الرغم من انتقادات ترامب لقيم التحالفات الدولية، لا يمكن إنكار أن أسلوبه القائم على الضغط والمساومة خلق تحولات دراماتيكية في السياسة الدولية.
في أوروبا، قد يمثل وصول ترامب في 2025 التحدي الأكبر الذي سيواجه النظام القاري. فإضافة إلى الضغوط الاقتصادية، سيجلب ترامب مواقف أكثر قسوة من شأنها أن تدفع الدول الأوروبية إلى اتخاذ خيارات غير تقليدية. ترامب قد يضغط على حلفاء أوروبا لتحمل عبء الدفاع عن كييف، وفي الوقت ذاته يطالب بتسوية سلمية مع موسكو قد تكون على حساب وحدة القارة.
السيناريوهات المستقبلية لأوروبا: التحديات المصيرية
1. تعزيز وحدة أوروبا
قد تؤدي سياسات ترامب إلى زيادة التفاهم بين الدول الأوروبية حول ضرورة التعاون العسكري والاقتصادي. في حال نجحت أوروبا في تطوير استراتيجيات دفاعية مشتركة، قد نرى نهضة جديدة تضعها في صدارة الساحة الجيوسياسية.

2. ضغط أمريكي لتسوية سياسية مع روسيا
إذا تراجع الدعم الأمريكي، قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقف دفاعي، مضطرا إلى التفكير في تسوية سلمية مع روسيا من أجل إنهاء الحرب، وهذا قد يأتي على حساب أوكرانيا ويعزز النفوذ الروسي.

3. الانقسام الأوروبي الداخلي

بالنظر إلى التحولات الداخلية في الاتحاد الأوروبي، قد تزداد الانقسامات بين الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبين الدول الصغيرة مثل بولندا ودول البلطيق، مما يؤدي إلى تراجع التنسيق داخل الاتحاد وفتح الباب أمام سياسة "التنازلات" على حساب المبادئ.
أوروبا اليوم أمام تحديات غير مسبوقة. إذا كانت قد سعت لسنوات طويلة لتطوير وحدتها الاقتصادية والسياسية، فإن التحديات الحالية قد تدفعها إلى مفترق طرق قد يؤدي إلى ولادة جديدة لقوة مستقلة أو انهيار تدريجي يعيدها إلى التبعية. قد تفرض المرحلة القادمة على القادة الأوروبيين اتخاذ قرارات حاسمة تؤثر على مستقبل القارة لعدة عقود.

أوروبا إذا اختارت طريق الوحدة، قد تصبح قوة عالمية مستقلة قادرة على التأثير في مصيرها ومصير العالم. أما إذا سقطت في فخ الانقسامات، فقد تجد نفسها في خضم فوضى جيوسياسية جديدة تهدد استقرارها على المدى الطويل.
المحامي الدكتور ربيع العمور











طباعة
  • المشاهدات: 2284
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
02-03-2025 10:56 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم