02-03-2025 10:57 AM
بقلم : د. أحلام ناصر
مع اقتراب شهر رمضان، أسافر بذاكرتي إلى أيامٍ مضت، حيث كان لهذا الشهر نكهةٌ مختلفة، طعم البساطة والدفء العائلي والروحانية التي تتغلغل في كل زاوية من حياتنا. لم يكن رمضان مجرد صيام وإفطار، بل كان حالة وجدانية تعيشها القلوب قبل الأجساد، وتتنفسها الأرواح قبل أن تدركها الأيام.
اليوم، وأنا أعيش رمضان في هذا العصر السريع، لا أستطيع منع نفسي من مقارنة الأمس باليوم. كيف تغيرت العادات؟ وكيف تبدّلت الأجواء؟ وما الذي بقي ثابتًا رغم مرور الزمن؟
أتذكر رمضان في طفولتي وكأنه كان أكثر بهجةً، أو ربما كانت قلوبنا أكثر صفاءً، قادرة على التقاط الفرح من أبسط الأشياء. كان يوم الصيام طويلاً، لكنه كان ممتلئًا بالأحداث الصغيرة التي تجعل الانتظار لوقت الإفطار ممتعًا. كنا نسمع صوت أمي في المطبخ تعدّ الطعام بحب، ونشم رائحة الشوربة والقطايف تعبق في أرجاء البيت، فنشعر أن رمضان حاضر بكل تفاصيله.
قبل الأذان بقليل، كانت الحارات تمتلئ بأصوات المساجد، وكان الجيران يتبادلون أطباق الطعام في مشهد لا يُنسى من التكافل والمحبة. كنّا نجتمع حول مائدة الإفطار، بلا هواتف ولا شاشات تشغلنا عن بعضنا، بل بأحاديثٍ وضحكاتٍ ودعواتٍ صادقة تخرج من القلب.
بعد الإفطار، كانت المساجد وجهتنا، نصلي التراويح ونعود لنكمل السهر مع العائلة، نستمع لحكايات الجدات، أو نخرج إلى الشوارع لنلعب تحت أضواء الفوانيس. لم يكن هناك ضغط المسلسلات ولا ازدحام الأسواق، فقط أجواء روحانية تهدئ النفوس، وتُشعرنا بأن هذا الشهر ليس كبقية الشهور.
أما اليوم، فقد تغيّر إيقاع رمضان، كما تغيّر كل شيء من حولنا. أصبح الشهر يمرّ بسرعة، وكأن الأيام تسرقنا منه دون أن نشعر. التكنولوجيا دخلت في كل تفاصيل حياتنا، فلم تعد الموائد كما كانت، ولم تعد السهرات تجمع العائلة كما في الماضي. أصبح لكل فرد عالمه الصغير داخل هاتفه، وأصبحت لقاءاتنا تقاطعها إشعارات التطبيقات ورسائل العمل، حتى في أكثر اللحظات قدسية.
لكن رغم كل هذا التغير، لا يزال رمضان محتفظًا بجوهره. ما زالت المساجد تمتلئ بالمصلين، وما زالت أيادي الخير تمتد إلى المحتاجين، وإن تغيّرت الوسائل. لم يعد الجار يطرق باب جاره بطبق الإفطار كما كان يفعل من قبل، لكنه ربما يرسل له وجبة عبر تطبيق توصيل، أو يساهم في حملة تبرعات إلكترونية، لكن روح العطاء لا تزال موجودة.
في وسط هذا التغيير الكبير، أدرك أن رمضان ليس مجرد عادات تتغير مع الزمن، بل هو إحساس يعيش في قلوبنا. يمكننا أن نعيد إليه دفء الماضي إذا أردنا، أن نطفئ هواتفنا لبعض الوقت، أن نعيد تلك السهرات العائلية، أن نحيي عادات البساطة التي كنا نحبها.
رمضان لا يفقد بريقه، نحن من نقرر كيف نعيشه. وإن كان الزمن قد أخذ منا بعض تفاصيله، فلا يزال بإمكاننا أن نصنع فيه لحظاتٍ صادقة، مليئةٌ بالحب والمودة، أن نعيد إليه هدوءه وروحانيته.
وكل عامٍ وأنا أبحث عن رمضان كما عرفته، وكل عام وأنا أقرب إلى روحه الحقيقية. وكل عام ورمضان لا يزال يسكن في قلبي، مهما تغيّر كل شيء من حولي، وكل عام وانتم وأحباؤكم بألف خير.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-03-2025 10:57 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |