03-03-2025 10:39 AM
بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي
من الواضح ان الرئيس الأمريكي ترامب مهتم بتجارب الاحداث التاريخية وتطبيق الأفضل منها، التي جعلت من بعضها قوى عظمى، الفرس بنوا امبراطورتهم بالقوة وسيطروا على ما يقارب 45℅ من سكان العالم آنذاك وكانت صاحبة الثروة الهائلة، ثم الإمبراطورية الفرعونية والرومانية والإسلامية والعثمانية والبريطانية التي سيطرت على ربع العالم.
كما انه معجب بالرئيس الأمريكي جاكسون، وهو المعروف بالحزم والقوة والشجاعة والعناد والمتهور احياناً الى حد التصادم وصاحب الفكر القائم على المراهنات وبجميع الأحوال فهو يجمع المتناقضات، وعلى الرغم من البعض يشير الى انه كان قد فجر فضائح غريبة لأمريكا الا انه عمل على توسيعها وهجر 100,000 شخص من أماكن سكنهم، وركز على التجارة وعمل على فتح الموانئ الكندية والكاريبية، واقال غير الاكفاء من العاملين، واعاد البناء السياسي لأمريكا، وقد وصفه الرئيس ترامب بانه " رمز مذهل في التاريخ الأميركي، وفريد من نوعه".
كما انه استفاد من تجربة الرئيس ماكنلي الذي صنع من أمريكا امبراطورية من خلال الزيادة في القوة العسكرية والاكراه الاقتصادي، ومن مبدأ روزفلت (بداية القرن الماضي) القائم على استخدام القوة العسكرية كقوة شرطة دولية لتصحيح أي خطأ مزمن وان أمريكا ستتدخل بالقوة من اجل فرض السلام، مطبقاً بذلك مقولة "احمل عصا غليظة، وسوف تصل إلى أبعد مدى"، وهي الرسائل التي وصلت آنذاك الى الأوروبيين بكل وضوح.
كما ان الرئيس ترامب استفاد ايضاً من تجربة روزفلت في إدارة الحرب الروسية اليابانية، حيث ايد في البداية اليابان، وبعد الانتصارات اليابانية المتسارعة، أعاد حساباته خوفاً من زيادة النفوذ الياباني في شرق اسيا، فدعاء الى اجتماع للسلام، ولوح بالقوة وكان يومن بان التحالفات تتغير والاحتياجات الاقتصادية كذلك وان على الولايات المتحدة ان تحافظ على موقعها كقوة عالمية دون ان تخوض حرب قد تخسرها او تضعفها. كما أعاد توازن للقوى ومنح اليابان السيطرة على كوريا وعدد من القواعد الروسية وجزء من الجزر في اقصى الشرق الروسي، وبناء على ذلك منح جائزة نوبل للسلام.
ان النجاح الذي حققه الرئيس ترامب في احداث التغير الكبير في النظام الأيديولوجي خلال فترة ولاياته الأولى والذي انعكس على النظام السياسي فيها، دفعه للمضي قدماً للعمل على إعادة الهيكلة وتغير الاتجاهات واللعب على توازن القوى التي تسمح بالعادة تشكيل المواقف العالمية تمهيداً للوصول لنظام عالمي جديد يضمن لأمريكا الأفضلية. ومن هذا المنطلق، وجد الرئيس ترامب بان الفرصة مواتية لتلبية الرغبة الأميركية في البحث عن الذات من جديد لتكون قوة عظمى، عن طرق استغلال الصراع في شرق أوروبا والشرق الأوسط (قلب العالم).
في شرق أوروبا، وجد بان كل اشكال الدعم الذي قدم لأوكرانيا من أمريكا والدول الحليفة لن تؤدي الى هزيمة روسيا، بل ستؤدي الى استنزاف الموارد الاقتصادية للجميع، ويدخل العالم في حالة الركود الاقتصادي من الممكن تكرر حالة 1933-1938 التي أدت الى الحرب العالمية الثانية.
كما ان تهديدات الرئيس الروسي المتكررة بنقل المواجهة لتكون مباشرة مع الناتو، وهو يعلم بان أوروبا لا يمكنها من المواجهة لوحدها، دون أمريكا (ان أسباب عدم قدرة الأوروبيين للمواجهة لوحدهم معروفة لكل من الرئيس بوتين والرئيس ترامب ومنها عدم كفاية أعداد الجيوش، والقدرات العسكرية التقليدية، حيث تمتلك روسيا اكثر بكثير مما تمتلكه أوروبا والقدرات النووية والصاروخية الروسية الهائلة وغيرها)، الامر الذي دفع الرئيس ترامب الى إعادة ترتيب الأوراق والاستفادة القصوى من الأوضاع دون الذهاب للمواجهة، التي لن تتوقف عند روسيا فقط، وخاصة ان الأوضاع الاقتصادية الامريكية لا تسمح لها بذلك في ظل الصعود الصيني القوي والمهدد للاقتصاد الامريكي، وهو الطامح لجعل الاقتصاد الأمريكي الأقوى، ولا يمكن له ذلك دون خفض الانفاق (خاصة تلك التي تنفق على القوة الامريكية الناعمة) والزيادة في الإنتاج والسيطرة على ما تبقى من الموارد الطبيعية العالمية التي تحتاجها الصناعات التكنولوجية المستقبلية.
وبناءً عليه بادر الى الوصول الى حل تتنازل فيه أوكرانيا عن الأراضي (وهي التي عبر عنها وزير الدفاع الأمريكي بوضوح، حيث قال إن على الأوكرانيين أن يتخلوا عن الأمل في استعادة كل الأراضي التي احتلتها روسيا والانضمام الى الناتو)، وهي الحالة الشبيهة بالحل الامريكي للحرب الروسية اليابانية مع بداية القرن الماضي.
وعلى الرغم من رفض زيلنسكي لمثل هذه الحلول، وهو الذي يعتقد بان لديه أوراق ضغط من خلال اتفاقية المعادن (زيلنسكي يعلم كما يعلم نتيناهو بان وقف الحرب تعني نهاية كل منهم السياسية)، الا ان الرئيس بوتين كان قد استبق زيارته بفكرة الاستثمار الأمريكي في المعادن الاستراتيجية الروسية بما فيها المعادن الموجودة في شرق أوكرانيا الواقعة تحت السيطرة الروسية والتي تشكل ما يقارب 70℅ من ثروات أوكرانيا. وبالتالي فان الرئيس ترامب لن يتردد في اتخاذ إجراءات مستقبلية تجعل من أوكرانيا وحتى الدول الاوربية الموافقة على خططه مع إمكانية ادخال بعض التعديلات الضرورية والتي ستوافق عليها روسيا في النهاية.
ام فيما يخص قضية الشرق الأوسط الرئيسية (القضية الفلسطينية)، فان ترامب ينطلق ايضاً من تجربة الرئيس جاكسون في التهجير، وعلى الرغم من الرفض الأردني المصري والعربي، لا بل العالمي للفكرة (سبق وان تحدثنا عن الموضوع في مقال سابق تحت عنوان الشرق الأوسط تنافس حضاري ام سوق عقاري، منشور بتاريخ 22/2/2025 و23/2/2025، حيث بينا فيه أهمية غزة وساحلها لأمريكا)، الا اننا يجب ان نأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية السياسية وقوة الإرادة الإسرائيلية الساعية لتحقيقها ولو بالقوة (ليس فقط في غزة بل في أراضي الضفة) والدعم الأمريكي والظروف العالمية الراهنة والمستقبلية (وخاصة احتمالية وجود اتفاق امريكي روسي لتمرير ذلك، مقابل الخطوات الامريكية لصالح روسيا في اوكرانيا) والتي قد تؤدي للأسوأ. حيث ما زال في الذاكرة خطة التقسيم الأممية عام 1947، التي منحت إسرائيل اقل من 58℅ من أراضي الضفة الغربية، وهي اليوم تسيطر على ما يقارب 80℅ وما زالت مستمرة في توسعها دون ان يوقفها أحد (ومن يدري ان يتم تبديل موضوع غزة في صدور قرار بضم أراضي الضفة لإسرائيل كما وسبق ان صدر قرار ضم الجولان)، لا بل ان ما تقوم به إسرائيل مدعوم بالكامل من قبل الرئيس ترامب.
ان ما يقوم به الرئيس الأمريكي من إيجاد طريق لإنهاء النزاع الروسي الاوكراني بفرض الامر الواقع، شجع إسرائيل ليس فقط في الإجراءات التي تتخذها في الأراضي الفلسطينية، لا بل التوسع في الأراضي السورية لتعزيز موقعها في أي حلول مستقبلية، في حال حدوث يودي الى تغير في قواعد اللعبة المتوافق عليها اسرائيلياً وامريكياً.
وعلى الرغم من سعي الدول العربية لإيجاد خطة بديلة لفكرة تهجير سكان غزة من ارضهم، والتي من الممكن طرحها على مجلس الامن بعد الموافقة العربية عليها، الا ان فرص نجاحها بالمرور من المجلس تبقى ضعيفة ما لم تلبي الحد الأدنى لفكرة الرئيس ترامب، وفي جميع الأحوال سيكون مصير القرار ان نجح كبقية القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية دون تنفيذ، وخاصة ان نتيناهو نجح في خلط الأوراق بالكامل، ويؤمن كما ترامب بفكرة السلام بالقوة.
ان العالم مقبل على إعادة التشكيل في ظل ظروف جيوسياسية فوضوية ومعقدة، وان الدول الصغيرة وخاصة صاحبة المواقع الاستراتيجية منها، ستكون موقع صراع بين الدول الكبرى وقد تتعرض للإكراه بالطرق الاقتصادية او العسكرية او بطرق أخرى، او قد تتعرض ايضاً للضغوط من دول ذات نفوذ إقليمي يحدد مستقبلها ولن تكون في مصلحة شعوبها.
انه لمن الواضح بان مثلث اللاعبين على الساحة العالمية (أمريكا الساعية للهيمنة، وروسيا التي تستغل نقاط ضعف أوروبا بدقة والصين التي تتوسع بالنفوذ بالقوة الاقتصادية والسياسية الناعمة) سيشكلون القوى العظمى في المدى المنظور، وبدرجة اقل الدول الأوروبية، مما يفتح الطريق امام تركيا لتكون لاعباً اقوى من ذي قبل وسيكون نفوذ أوروبا أكبر في حال شكلت كتلة مع الدول العربية في الشرق الأوسط بالإضافة الى تركيا، ما لم تحدث مفاجآت بين الدول العظمى لم تكن في الحسبان.
في ظل الظروف الجيواستراتيجية والاحداث الغير مسبوقة على الساحة العالمية والجيوسياسية في المنطقة يجد الأردن نفسه مضطراً لإعادة ترتيب أوراقه ويقع على عاتقة عبء كبير في التنسيق مع الدول العربية لتوحيد المواقف بهدف حماية الامن الوطني والقومي، واعتقد حان الوقت للأشقاء العرب لسماع صوت الحكمة والخبرة التراكمية للقيادة الأردنية. كيف لا والأردن عانى من الكثير من الازمات خلال العقود الماضية، لا علاقة له بقراراتها، الا انها فرضت علية وتحمل عبء تبعاتها، نتيجة لإخطاء كانت قد ارتكبت من الاخرين والتي منها عدم موافقة الدول العربية على قرار التقسيم عام 1948، الذهاب لحرب 1967 والأردن لم يكن مقتنعاً بان الدول العربية جاهزة لذلك، ودخول العراق لأرض الكويت الشقيق (الخطاء الذي قسم ظهر الامة العربية)، وسقوط بغداد 2003، وانقسام الشارع الفلسطيني قبل عقدين من الزمن تقريباً وما نتج عنه من اضعاف للقضية الفلسطينية واحداث الربيع العربي وما تبعها من أزمات واخيراً احداث 7/10/2023، والتي اعترف احد القيادات الفلسطينية في غزة، بانه لو علم بهذه النتيجة لم وافق عليها من الاصل.
اما إذا تعذر توحيد الجهود العربية، فانه يقع على عاتق الأردنيين المحافظة على ترابطهم القوي وعدم السماح لأي جهة مهما كانت باختراقهم، وان يكونوا العون للقوات المسلحة، وهم الواثقون بقدرة القيادة الهاشمية على التجديف بالقارب الأردني الى بر الأمان.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-03-2025 10:39 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |