04-03-2025 10:15 AM
بقلم : تمارا خزوز
القول إن “الكل يكتب ولا أحد يقرأ” ليس مجرد طرفة أو دعابة، بل يكاد يكون توصيفًا دقيقًا للواقع المحلي الحالي. فالمشهد العام يفيض بالدراسات والكتابات التحليلية والأكاديمية في مختلف التخصصات، والتي غالبًا ما تكون موجّهة لصانع القرار. إلا أن الانطباع السائد بين الأوساط الأكاديمية والبحثية هو أن هذا الإنتاج المعرفي لا يتجاوز كونه مجرد حبر على ورق!
منذ سنوات، يتجدد النقاش حول موقع المعرفة ودورها في صنع القرار الحكومي. ومع كل تغيير وزاري أو أزمة طارئة، يطفو التساؤل ذاته على السطح: هل يستمع صانع القرار إلى صوت البحث العلمي والدراسات التحليلية، أم يكتفي بما يراه الأقرب إلى الواقع المؤسساتي القائم؟ وهل تستند السياسات العامة إلى أدلة علمية متعددة الأبعاد، أم أنها تتعثر تحت وطأة البيروقراطية أو تخضع لأولويات التمويل؟
لا بد أن نعترف أولًا أن الحكومة – أي حكومة – غير قادرة بمفردها على إنتاج المعرفة، حتى لو امتلكت الموارد والقدرة على إنشاء وحدات بحثية داخل أروقتها. فهذه العملية تتطلب أكثر من ذلك بكثير. فالمعرفة القائمة على البحث العلمي، والتحليل النقدي، وقواعد البيانات المحدّثة تحتاج إلى بيئة ديناميكية متعددة الأطراف، وتشبيك عالي المستوى لا تستطيع الحكومة توفيره وحدها.
من هنا، يجب أن تُعامل «مأسسة الإنتاج المعرفي» كأولوية وطنية حكومية، تُوضع لها الخطط وتعقد من أجلها الاجتماعات العاجلة، بعيدًا عن تباطؤ القرار تحت وطأة البيروقراطية الثقيلة. فالحكومة بحاجة ماسة إلى اعتماد نظام عمل مفتوح يربط بين انتاج القطاع الأكاديمي، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني في إطار مؤسسي فعّال، يضمن أن المعرفة التي تعتمد عليها الحكومات في صياغة سياساتها تستند إلى حاجاتنا وأولوياتنا الوطنية، لا إلى اعتبارات تمويلية لا تنسجم مع متطلبات المرحلة. واليوم، وقد فتحت الأحداث الأخيرة المرتبطة بقضية المساعدات الباب واسعًا للنقاش، فلماذا لا ينصبّ هذا النقاش على أولوياتنا، وكيف يجب توجيه المجهود البحثي والإنتاج المعرفي بناءً على ذلك؟ ولماذا لا نوجّه مواردنا المهدورة على آلاف أوراق السياسات العامة والدراسات لإيجاد حلول يحتاجها قطاع الزراعة، وقطاع المياه، وقطاع النقل العام، على سبيل المثال؟
يستلزم ذلك أيضًا تمكين المؤسسات البحثية والأكاديمية القائمة، وضمان استمراريتها عبر تخصيص تمويل عاجل، أو مراجعة أوضاعها وتصويب مسارها، وصولًا إلى اتخاذ قرارات بإغلاق بعضها إذا استدعت الضرورة، تجنبًا لهدر الموارد وتشغيل مؤسسات غير فاعلة لا تواكب متطلبات المرحلة.
لا يجوز الاستهانة في العلاقة بين مراكز الأبحاث وصانع القرار فهي سر قوة الحكومات حول العالم، حيث تعتمد أكبر وأعرق الدول – بما فيها الولايات المتحدة – على المراكز البحثية والأكاديمية في صياغة سياساتها العامة والخارجية. ووفقًا لمراسلة صحيفة التايمز في نيويورك، جوسي إنسور، فإن فكرة تحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» يُعتقد أنها استندت إلى تقرير أعده الأكاديمي الأميركي-الإسرائيلي جوزيف بيلزمان، مدير مركز جامعة جورج واشنطن للتميز الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد جاءت هذه الدراسة، التي تتألف من 49 صفحة، تحت عنوان “خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة: مدخل عملياتي تحويلي”، وتم تقديمها إلى مستشاري ترامب في تموز/ يوليو، بحسب التقرير الصادر اليوم في صحيفة القدس العربي.
الخلاصة، أنه لا يمكن بناء سياسات فعالة دون بنية معرفية متينة، كما لا يمكن لأي حكومة تقدمية أن تدّعي قدرتها على مواجهة التحديات دون أن تستند إلى منظومة معرفية بحثية متكاملة، قادرة على تقديم رؤى واستشراف المستقبل وما احوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لذلك.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-03-2025 10:15 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |