04-03-2025 10:18 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تابع العالم بأسره اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي ترامب بضيفه الرئيس الأوكراني زيلينسكي قبل أيام، والذي شهد مشادات كلامية وأسلوب نقاش غير مسبوق لم يعتد عليه المتابع للشؤون الدولية.
وقد أثار هذا الحدث الاستثنائي تساؤلات قانونية حول نطاق الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول وأفراد البعثات الدبلوماسية بموجب القانون الدولي، والآلية التي يجب فيها التعامل مع قادة الدول أثناء زياراتهم الخارجية.
إن رئيس الدولة هو الممثل الأعلى لدولته أمام الدول الأخرى، فهو يقوم بزيارات خارجية وعقد لقاءات مع قادة الدول بصفته رأس الدولة التي يحكمها وممثلها الرسمي. ولهذه الغاية، فقد أحاط القانون الدولي رئيس الدولة بمجموعة من الضمانات التشريعية التي تكفل له القيام بأداء واجباته خارج النطاق الجغرافي لدولته الأم بشكل يحفظ له كرامته ويصونها باعتباره يمثل الرمز السيادي الدولة التي يحكم فيها.
وتشمل هذه الامتيازات القانونية لرئيس الدولة عدم جواز التعرض لشخصه من قبل السلطات المحلية للدولة التي يقوم بزيارتها، أو القيام بأي عمل من شأنه أن يمس كرامته. فحماية رؤساء الدول الأجنبية تعتبر قاعدة راسخة في القانون الدولي، وأن أي اعتداء عليهم يعد فعلا مجرما يرقى إلى اعتباره عملا إرهابيا استنادا لاتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الأعمال الإرهابية لعام 1937.
لذا، تلتزم كل دولة مستضيفة بالامتناع عن القيام بأي سلوك من شأنه خرق هذه الحماية الدولية المقررة لرؤساء الدول، سواء كان هذا السلوك إيجابيا أو سلبيا، طالما أنه يمس حياة الرئيس الأجنبي أو يقلّل من مكانته ورمزيته الدولية، ويمكن مساءلة الدولة عن أي اعتداء قد يقع على رئيس دولة أجنبية إذا ثبت أنها لم تقم ببذل العناية الكافية لحمايته، أو لم تقم بمعاقبة من صدر عنه هذا الفعل غير المشروع.
وقد تعززت الحماية الدولية لرؤساء الدول وممثلي البعثات الدبلوماسية في العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية أهمها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وقرار مجمع القانون الدولي الصادر في باريس عام 2001 الذي اعتبر أن شخص رئيس الدولة يجب أن يكون محل احترام وتقدير على أرض أي دولة أجنبية، وأنه لا يجوز أن يخضع للقبض أو الحبس من قبل سلطاتها المحلية التي يجب عليها أن تعامله باحترام وتقدير، وأن تتخذ كافة الاجراءات اللازمة لمنع وقوع أي اعتداء على حياته أو المس بكرامته.
وإلى جانب الحصانة الشخصية التي يقررها القانون الدولي لرئيس الدولة وممثلي البعثات الدبلوماسية أثناء وجودهم خارج دولتهم الأم، فإنهم يتمتعون بحصانة جنائية كاملة تعفيهم من الخضوع للقضاء الجزائي للدول التي تستضيفهم، حيث تتضمن التشريعات الوطنية للعديد من الدول نصوصا قانونية تعطي حصانة لممثلي الدول الأجنبية من المثول أمام قضائها الجنائي، كما استقر الاجتهاد القضائي على عدم اخضاع رؤساء الدول وممثليهم لأي إجراءات قضائية أمام المحاكم الوطنية.
ففي عام 2000، رفضت إحدى المحاكم الأميركية الطلب المقدم إليها لمحاكمة الرئيس الزمبابوي روبرت موجابي كونه يتمتع بحصانة ضد المحاكمة أمام القضاء الوطني باعتباره رئيسا لدولة أجنبية. وفي عام 2001، رفضت محكمة النقض الفرنسية السماح بإقامة دعوى قضائية ضد الزعيم الليبي معمر القذافي واتهامه باسقاط طائرة فرنسية فوق النيجر في عام 1989، على اعتبار أن الأعراف الدولية تمنع محاكمة أي رئيس دولة.
وعلى صعيد القضاء الدولي، فقد أقرت محكمة العدل الدولية مبدأ الحصانة الجزائية لرؤساء الدول وممثليها الدبلوماسيين، حيث قضت في حكم لها في عام 2002 بعدم جواز محاكمة وزير خارجية الكونغو الديمقراطية ايبولا دومباس أمام القضاء البلجيكي، الذي كان قد أصدر مذكرة اعتقال بحقه بحجة اتهامه بارتكاب جرائم ضد الانسانية ضد الأقلية من قبيلة توتسي في رواندا.
ويبقى التساؤل القانوني الأبرز حول مدى امكانية تنازل ممثلي الدول الدبلوماسية عن هذه الحصانات الشخصية والجزائية المقررة له، حيث تنص المادة (32) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 على أنه يحق للدول أن تتنازل عن الحصانة القضائية المقررة لممثليها الدبلوماسيين شريطة أن يكون هذا التنازل صريحا، إلا أن هذا التنازل في الدعاوى المدنية أو الإدارية لا يمتد أثره ليشمل إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية، التي يجب الحصول لها على تنازل مستقل.
أستاذ القانون الدستوري - عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-03-2025 10:18 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |