04-03-2025 10:19 AM
بقلم : سارة طالب السهيل
لشهر الصوم مذاقات قلما نجدها في أي شهر من شهور العام في مختلف الدول العربية والإسلامية، فهو له مذاقات روحية خاصة جدا بفعل أنه شهر تغلق فيه أبواب جهنم، وتفتح فيه أبواب الجنان، وبالتالي فان المسلم نفسه تغادر فجورها، وتلهم تقواها فتقبل على رب البرية وطاعته واستثمار الطاقات النورانية في هذا الشهر بممارسة الفروض الدينية والسنن المحمدية من الصلاة والصيام والزكاة والصدقة وقيام الليل وقراءة القرآن الكريم، وصلة الأرحام والعطف على الفقراء والمساكين والبذل والعطاء في مختلف أشكال العطاء الإنساني البديع.
يتوحد المسلمون في رمضان على قلب رجل واحد في وحدة إنسانية فريدة من نوعها تترجمها لحظة إفطار الصائمين في وقت واحد والصلاة الجماعية في الفروض والسنن في صلاة التراويح ومجالس تلاوة القرآن بالمساجد، والحرص على زيارة المرضى في المشافي وزيارة دور الأيتام والمسنين جبرا للخواطر والنفوس وادخال السرور والبهجة من قناديل وزينات وأنوار المصابيح، وإعداد موائد الإفطار للفقراء ولمن انقطع عنهم الطريق، أو تأخروا في الوصول إلى بيوتهم وقت الإفطار، وإعداد طعام مخصوص للشهر الكريم خاصة الحلوى والمشروبات.
فالزينات والأنوار تشع في المساجد، وفي الشوارع وأيضا البيوت احتفاء بالشهر الكريم، إلى جانب ازدحام الأسواق بكافة أنواع الطعام والملابس اللازمة للعيد والعطور والبخور وألعاب الأطفال المختلفة.
وقد تطور الاحتفاء برمضان والاستعداد له منذ عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة وصولا لزماننا المعاصر. في العصر النبوي لم يكن لشهر رمضان مظاهر احتفالية، وكانت طقوسه كلها منصبة على العبادة بكل أشكالها وفعل مختلف الطاعات والقربات لرب العالمين، ولم تكن مائدة الإفطار الرمضانية معروفة، وإن كان بعض المؤرخين أثبتوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول من أقام مائدة إفطار للوفد الذي جاء إليه من الطائف في أثناء وجوده بالمدينة، وكان النبي يرسل الإفطار والسحور مع بلال بن رباح.
واقتدى الخليفة عمر بن الخطاب بسنة النبي، فأقام دارا كاملة للضيافة يفطر فيها الصائمون، كما كان الخليفة عمر أول من جمع الناس على صلاة التراويح خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته، كما كان سببا في إضاءة مسجد رسول الله بالقناديل، وهو ما جعل الإمام علي بن أبي طالب يدعو له، قائلا «نوَّر الله لعمر بن الخطاب قبرَه كما نوَّر مساجد الله تعالى بالقرآن».
الأمويون اشتهروا بالحرص على تزيين المساجد بشكل مترف، ومن ضمنها القناديل، حيث كان الجامع الأموي بدمشق يحتوي على ستمائة سلسلة من الذهب لتعليق القناديل، كما اشتهر شهر الصيام في الشام منذ العهد الأموي بمشروب قمر الدين وحلوى الكنافة.
المسجد الأقصى، كما ذكر شمس الدين السيوطي، كان فيه من السلاسل للقناديل أربعمائة سلسلة إلا خمس عشرة، منها مئتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد والباقي في قبة الصخرة وذرْعُ السلاسل أربعة آلاف ذراع، ووزْنها ثلاثة وأربعون ألف رطل، ومن القناديل خمسة آلاف قنديل، وكان يُسرج فيه مع القناديل ألفا شمعة في ليالي الجمع، وفي ليلة نصف رجب وشعبان ورمضان، وفي ليلتيْ العيدين.
وتُوُسِّع في تعليق القناديل بالمساجد وتزيينها في الدولة العباسية وبرعاية كبار رجال الدولة كما زاد في عهد العباسيين الاهتمام بالاحتفال بالشهر الرمضاني، خاصة الحرم المكي والمسجد النبوي، وفي عهد الخليفة هارون الرشيد الذي اشتهر بإقامة الولائم في قصره، وفي الحدائق العامة للفقراء وعامة الناس ببذخ كبير.
الدولة الفاطمية ومصر كانت أكثر الدول توسعا في الأنوار الرمضانية خاصة بعد صناعة الفوانيس إلى جانب القناديل. كما كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، أول من وضع تقاليد المائدة في عهده بمفهومها المعاصر، وكان يقيم ولائم الإفطار في قصره لعلية القوم، ومثلها في المساجد والأحياء الشعبية لإطعام الفقراء والمهاجرين.
وكان الحاكم بأمر الله يأمر جنوده بالمرور على المنازل ودق الأبواب لإيقاظ المسلمين للسحور، ثم خُصص رجل للقيام بهذه المهمة باستخدام عصا يدق بها أبواب البيوت مناديا يا أهل الله قوموا تسحروا.
وظيفة القناديل
كانت للقناديل والفوانيس وظائف عديدة أهمها أنها علامة على بداية شهر الصيام، حيث كانت الفوانيس تعلق في أعلى مآذن المساجد لإعلام الصائمين بثبوت هلال رمضان، بجانب إضاءة المساجد للمصلين..
توقيت الفطور والسحور كانت القناديل والفوانيس تعلق في أعلى مآذن المساجد لإعلام الصائمين بثبوت هلال رمضان ومواعيد السحور.
واشتهر العهد الأيوبي، بالمُحتَسب، وهو شخص يمر على الأسواق لمراقبة سلع التجار يمر للتأكد من وفرة وجودة السلع ونظافة البائعين. في عهد الملك الكامل كانت تغلق الخمّارات واعتقال البغايَا، وإغلاق المطاعم، وقيل إنه كان ينزل بنفسه في أول أيام رمضان، فإذا صادَف مفطرًا أمر بضربه.
طقوس متباينة
ارتبط شهر رمضان بطقوس عديدة بعضها متوارث في عالمنا العربي وبعضه مستحدث مثل الفوانيس التي تطورت صناعتها من فانوس معدني يضاء بالشموع إلى فوانيس تضاء بلمبة على البطارية، بعضها يحتوي على موسيقى أو أغانٍ رمضانية، وتتعدد أشكاله وألوانه؟
كما ارتبط رمضان بالمسحراتي الذي يوقظ الناس للسحور ولصلاة الفجر، بجانبه اشتهر هذا الشهر بحلوى القطايف والكنافة التي يتفنن عالمنا العربي بصناعتها بطرق مختلفة.
ودفعت شهرة الكنافة والقطائف جلال الدين السيوطي إلى أن ألف فيما بعد كتابا جمع فيه كل ما قيل عنهما أسماه «منهل اللطائف في الكنافة والقطائف».
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-03-2025 10:19 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |