حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,10 مارس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 1346

ليث القهيوي يكتب: هل تنجح منظومة التحديث السياسي في إحداث تحول حقيقي؟

ليث القهيوي يكتب: هل تنجح منظومة التحديث السياسي في إحداث تحول حقيقي؟

ليث القهيوي يكتب: هل تنجح منظومة التحديث السياسي في إحداث تحول حقيقي؟

10-03-2025 09:54 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
لطالما شكل النظام السياسي الأردني نموذجا متوازنا يجمع بين متطلبات الإصلاح السياسي والاستقرار الوطني، في منطقة تعج بالاضطرابات والتغيرات المفاجئة، نجح الأردن في الحفاظ على استقراره النسبي بفضل مزيج من الحكمة السياسية، والمرونة، والتكامل بين المؤسسات التقليدية والحديثة، إلا أن هذا التوازن يواجه اليوم اختبارا جديدا مع بدء تنفيذ منظومة التحديث السياسي، التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية من خلال تقوية دور الأحزاب والبرلمان في تشكيل الحكومات، وصولًا إلى حكم برلماني أكثر تمثيلًا.


على مدى العقود الماضية، تبنى الأردن نهج الإصلاح التدريجي، حيث تم تعديل الدستور أكثر من مرة لتعزيز الفصل بين السلطات، وإقرار قوانين انتخابية وحزبية جديدة، دون أن يخل ذلك بطبيعة النظام الملكي الدستوري. هذه المرونة السياسية مكّنت الأردن من امتصاص تداعيات الأزمات الإقليمية، والاستجابة بحذر لمطالب الإصلاح الداخلي دون الوقوع في الفوضى. إلا أن هذا النهج التدريجي لم ينجح دائمًا في إحداث تحولات جوهرية في المشهد السياسي، حيث بقيت الحياة الحزبية ضعيفة، والمشاركة الشعبية في الانتخابات متواضعة، ما أضعف فرص الانتقال الفعلي إلى نموذج ديمقراطي كامل.

إطلاق منظومة التحديث السياسي يمثل لحظة حاسمة في مسار الإصلاح الأردني، حيث تسعى الدولة إلى بناء بيئة سياسية تتيح للأحزاب الوصول إلى السلطة عبر انتخابات برلمانية تنافسية، بدلًا من الاعتماد على تعيين الحكومات، هذا التوجه يعكس إدراكا رسميا بضرورة تطوير أدوات الحكم بما يواكب المتغيرات العالمية والمحلية، لكنه يواجه عقبات جوهرية أبرزها ضعف الثقة الشعبية في الأحزاب، وغياب برامج سياسية واضحة تجذب الناخبين، فضلا عن تحديات اقتصادية تفرض نفسها على أي عملية إصلاحية.
من الناحية الإستراتيجية، يرتبط نجاح التحديث السياسي بقدرة الدولة على تحقيق توازن دقيق بين تعزيز الديمقراطية وضمان الاستقرار، فالإصلاحات السياسية دون معالجة المشكلات الاقتصادية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يصعب على أي حكومة منتخبة مواجهة التحديات التنموية دون وجود قاعدة اقتصادية قوية تدعم قراراتها. وفي المقابل، فإن تأخير الإصلاحات السياسية قد يفاقم حالة الإحباط لدى الشارع، ويزيد من عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية، مما يضعف شرعية المؤسسات المنتخبة.
ان التحدي الآخر الذي يواجه الأردن في هذه المرحلة هو كيفية التعامل مع التغيرات الإقليمية والدولية التي قد تؤثر على مسار الإصلاح الداخلي، فالضغوط الخارجية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، قد تؤثر على وتيرة الإصلاحات ومدى تطبيقها الفعلي. كما أن استقرار الإقليم، أو غيابه، سيكون عاملًا مؤثرًا في تحديد مسار الحياة السياسية في الأردن، حيث أثبتت التجارب السابقة أن الأزمات في دول الجوار غالبًا ما تلقي بظلالها على الداخل الأردني.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن نجاح الإصلاح السياسي يتطلب تغييرًا في الثقافة السياسية لدى المواطنين، وتعزيز ثقتهم في العملية الديمقراطية، لا يمكن الحديث عن حياة حزبية فاعلة دون مشاركة مجتمعية حقيقية، ودون وجود قناعة لدى الأفراد بأن التصويت في الانتخابات والانخراط في الأحزاب يمكن أن يترجم إلى تأثير ملموس في صناعة القرار. وهنا يبرز دور الإعلام، والمؤسسات التعليمية، ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز الوعي السياسي، وتحفيز الشباب على الانخراط في العملية الديمقراطية.
في ظل هذه المعطيات، تبدو المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل الأردن السياسي ، فإما أن تؤدي الإصلاحات إلى ولادة نظام سياسي أكثر ديمقراطية وفعالية، قادر على الاستجابة لتطلعات الشارع، وإما أن تبقى هذه التعديلات شكلية دون تأثير جوهري،
ويبقى الرهان الأكبر على مدى جدية الدولة والمجتمع في تبني هذا التحول، واستعداد القوى السياسية لملء الفراغ الذي لطالما شكا منه النظام السياسي الأردني.
في النهاية، لا يمكن إنكار أن الأردن يقف عند مفترق طرق، حيث يواجه تحدي تحقيق إصلاح سياسي متوازن، فنجاح منظومة التحديث السياسي مرهون بقدرتها على تجاوز العقبات التقليدية، وخلق بيئة سياسية جديدة قائمة على التعددية الفاعلة والمشاركة الشعبية الحقيقية. وحده الوقت سيحدد ما إذا كان هذا المسار سيمثل نقطة تحول إيجابية في التاريخ السياسي الأردني، أم مجرد محاولة أخرى ضمن سلسلة الإصلاحات التدريجية التي لم تؤدِ إلى تغيير جذري.











طباعة
  • المشاهدات: 1346
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
10-03-2025 09:54 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتجه المواجهات بين قوات الأمن السورية و"فلول النظام السابق" في منطقة الساحل نحو تصعيد يمتد إلى مناطق أخرى؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم