حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,10 مارس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 1798

المحامية هبة ابو وردة يكتب: إسرائيل: بين الدور الوظيفي وحسابات البقاء

المحامية هبة ابو وردة يكتب: إسرائيل: بين الدور الوظيفي وحسابات البقاء

المحامية هبة ابو وردة يكتب: إسرائيل: بين الدور الوظيفي وحسابات البقاء

10-03-2025 11:31 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامية هبة ابو وردة
لم يكن الاحتلال الإسرائيلي مجرد نتيجة لصراع عرقي أو ديني، بل هو نتاج تفاعل معقد بين الاقتصاد والسياسة، حيث التقت مصالح لوبيات المال والطاقة الغربية مع المشروع الصهيوني في نقطة واحدة، الحاجة إلى “دولة وظيفية” في قلب المنطقة تضمن السيطرة على الموارد والأسواق، فمنذ وعد بلفور رأت القوى الاقتصادية الكبرى في فلسطين بوابةً لمشروع يعيد تشكيل الشرق الأوسط وفق قواعد الهيمنة لا الشراكة.

بريطانيا لعبت دور العرّاب وفق حسابات دقيقة، حيث لم يكن خلق كيان يعتمد بالكامل على الغرب مجرد خيار سياسي، بل ضمانة لاستمرار التدفقات المالية والسيطرة على الممرات الاستراتيجية، ومع انتقال مركز القرار إلى واشنطن، لم تعد سياسات الشرق الأوسط تُصنع في البيت الأبيض وحده، بل تُصاغ في دهاليز اللوبيات التي تعيد رسم خريطة النفوذ بما يخدم مصالحها.

من يظن أن إسرائيل مجرد دولة تسعى للبقاء، فإنه لا يرى سوى ظلال المشهد؛ فلو كانت مسألة بقاء لكانت قد حسمت معاركها منذ عقود، لكنها لم تُخلق لتكون كيانًا يقاوم الغرق بل موجة يُصنع البحر لأجلها، ومتى انتهت الحاجة إليها، انحسر الماء وتركها قاعًا بلا سند،فمنذ تأسيسها، لم تكن مجرد “ملاذ لشعب مشرد”، بل قاعدة متقدمة تُمسك بخيوط المنطقة، أشبه بحارس بوابة لا يملك المفتاح، لكنه يمنع الآخرين من العبور.

ولأن وجودها الوظيفي يستلزم منطقة غير مستقرة، لم يكن كافيًا أن تظل قاعدة متقدمة، بل كان عليها أن تضمن بقاء محيطها في حالة اشتعال دائم، لا من اجل أن تُشعل الحروب فقط، إنما لتساهم في إنهاك أي مشروع نهضوي عربي، لضمان بقاء اقتصادات المنطقة داخل دائرة الهيمنة، وحين تطورت أدوات السيطرة من الاحتلال العسكري إلى النفوذ الاقتصادي، تغيرت وظيفتها من رأس حربة عسكرية إلى مركز متقدم لإدارة المصالح الغربية.

المشروع الصهوني محصَّنٌ بقوانين غير مكتوبة تجعله فوق المساءلة، حيث تُدار اللعبة في أروقة لا تصلها قرارات الأمم المتحدة، ولا تهتز لخطابات الإدانة؛ ففي السياسة الأمريكية الولاء لإسرائيل ليس وجهة نظر، إنما تأشيرة عبور إلى المكتب البيضاوي، حيث تُضخ ملايين الدولارات لضمان أن أي رئيس منتخب لن يجرؤ على كسر القيد الذي يحيط بالمصالح الصهيونية داخل الكونغرس، هذه المنظومة جعلت واشنطن تستخدم الفيتو أكثر من 45 مرة لحماية إسرائيل، لأن القرار الأمريكي مكبَّل بمصالح القوى المتحكمة بالمشهد، فلا يُناقش الاحتلال كجريمة، بل كواقع يجب تكريسه، ولأن السيطرة لا تقتصر على القرار السياسي، تأتي مراكز الأبحاث مثل “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، ليغذي صُنّاع القرار بتقارير تسوّق للرواية الإسرائيلية كحقيقة لا تُمس.

أما في الاقتصاد، فلا تخشى إسرائيل الأزمات؛ لأن وول ستريت هو درعها المالي الذي يقيها من أي انهيار، حيث تتدفق الاستثمارات إلى سنداتها، بينما يُترك الاقتصاد الفلسطيني في حالة شلل دائم بفعل القيود الدولية، وكأن الفلسطيني يُمنح الهواء بقدر ما يبقيه حيًا، دون أن يُمكنه من الوقوف.

بالنسبة لإسرائيل، الحروب لم تعد تحديًا وجوديًا، بل استثمارات طويلة الأجل؛ كل قنبلة تُلقى على غزة تُترجم إلى صفقة سلاح جديدة، وكل جدار يُبنى في فلسطين يصبح نموذجًا أمنيًا يُباع لدول أخرى، الصناعات العسكرية الإسرائيلية تسوّق معداتها على أنها “مختبرة ميدانيًا”، وكأن الدم الفلسطيني تجربة ميدانية تضمن استمرار الصناعة العسكرية في سوق لا يعرف الكساد، فبقاء إسرائيل أولوية تُدار كأي استثمار، طالما أن أرباحه تفوق كلفة دعمه.
ولأن المواجهة لا تُخاض في الميدان وحده، إنما في عقول الناس أيضًا، يأتي دور اللوبي الإعلامي فهو الذراع الأكثر فتكًا، بحيث تتحول الكلمة إلى سلاح، والصورة إلى جبهة، والسردية إلى حصن يُحاصر الإدراك قبل أن يحاصر الأرض، في هذا المشهد لا تحتاج إسرائيل إلى تبرير احتلالها ما دامت تسيطر على الرواية، تُعيد تشكيلها، وتمنحها الأسماء التي تخدمها، كما يُعيد الغازي رسم الخرائط ليُطمس ما كان قبله.
التحكم في المحتوى الرقمي، عبر المنصات مثل “فيسبوك” و”تويتر” تفرض رقابة مشددة على المحتوى الفلسطيني، كما يُراقَب الأسير في زنزانته، كل كلمة تمر عبر بوابات تفتيش إلكترونية، فإن لم تُحذف خُنِقت في زوايا الإنترنت حيث لا يصلها أحد، بينما يُترك المحتوى الإسرائيلي بلا قيود، كأنه الحقيقة الوحيدة التي يُسمح لها بالتنفس.
كما أن التلاعب اللغوي الذي تتبناه وكالات الأنباء الكبرى مثل “رويترز” و”أسوشيتد برس” تعيد صياغة الأخبار وفقا لقواميس الإعلام الغربي، فلا يُذكر الاحتلال إلا بلغة معقّمة من المعنى، حيث تُستبدل الجرائم بالمصطلحات المحايدة، فيصبح العدوان “غارات”، والمجازر “اشتباكات”، والاحتلال مجرد “نزاع”، وكأن فلسطين مجرد مسرح لأحداث متكافئة لا ظالم فيها ولا مظلوم.
وحين لا تكفي الأخبار لتشكيل الإدراك، تتدخل السينما، فتتحوّل هوليوود إلى وزارة خارجية غير معلنة تروي الحروب بعد إعادة صياغته، فتُصوَّر إسرائيل كدولة “مسالمة” تواجه الإرهاب، بينما يُختزل الفلسطيني في صورة “الشرير”، وهكذا لا تُحتل الأرض فقط بل يُعاد تشكيل العقول، بحيث تغدو الضحية غريبة في قصتها، تبحث عن صوت في عالم صُمِّم كي لا يسمعها.
ومع كل ذلك، تبقى إسرائيل حتى في عيون صانعيها مجرد خشبة تُبنى عليها المشاهد، وإن تبدلت الأدوار بقيت وظيفتها واحدة، ضبط الإيقاع، خلق التوازنات وإبقاء الجميع داخل المسرحية، لكنها ليست مسرحًا خالدًا، هي فقط منظومة قائمة على حسابات الربح والخسارة؛ فلا ينجح في البقاء إلا إذا حافظ على كلفته أقل من كلفة زواله، وهنا تكمن نقطة ضعفه، من صنعه هو ذاته من يملك قرار تفكيكه متى انتفت الحاجة إليه، وحينها لن يكون أمامه سوى مواجهة الحقيقة التي أُخفيت لعقود أنه لم يكن يومًا مشروعًا قائمًا بذاته، بل مجرد أداة، والأدوات مهما كانت فاعلة مصيرها السقوط حين تنتهي وظيفتها.











طباعة
  • المشاهدات: 1798
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
10-03-2025 11:31 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتجه المواجهات بين قوات الأمن السورية و"فلول النظام السابق" في منطقة الساحل نحو تصعيد يمتد إلى مناطق أخرى؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم