10-03-2025 01:33 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
الكلّ يعلم أنّ العلّة الأساس للعبادات هي تهذيب النفوس، ورفع الطاقة الإيمانية، التي بالضرورة ترفع من المنسوب الأخلاقي للأفراد، لتنعكس بشكل جمعي على المجتمع، وقريبًا من ذلك، فإنّ الصلاة بنص القرآن يجب أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإن لم تفعل الصلاة ذلك في نقس مؤدّيها فإنّها لا تعدو عن كونها مجرد حركاتٍ وتمتمات، وكذلك الأمر في ما يخص الحجّ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ، إذ يتعيّن على الحاجِّ أن يملك نفسه عن الشهوات الدنيوية، وأن يتعلّم الصبر ويبتعد عن الفسوق والجدال في بيئةٍ بشريةٍ مكتظة، كل ما فيها من اختلافاتٍ يثير الجدال والعصبية.
لا يبتعد الأمر كثيرًا عن الصيام، فعلّة الصيام كما وردت في القرآن الكريم هي التقوى، والتقوى بمفهومها الشامل تعني بالضرورة وإضافةً إلى الامتناع عن الطعام والشرابِ، الالتزام بالأخلاق الحميدة بما يشمل كفّ اللسان عن الغيبة والنميمة، والابتعاد عن الجدل والانفعالات السلوكية اليومية، والتعامل مع كلّ شيء بهدوءٍ وحِلم، لكن وعلى الواقع ما الذي يحدث !!
ما يحدث في الصيامِ هو عكس كل ذلك تماما، فالأخلاق تضيق، والجدل يكثر، ومجالس الغيبة والنميمة بعد دعوات الإفطار تزداد، حتى السلوكيات اليومية المعتادة تصير أكثر عنفًا وشراسة، وكأنّ بعض الصائمين ينون مع صيامهم أن يكونوا مؤذين في يوم الصيام.
من الصور اليومية التي نراها في الشوارع ضيق خُلق الصائمين أثناء قيادة السيارات، فبعضهم ولكي (يُضيّع الوقت) يخرج بسيارته قبل الإفطار بساعةٍ أو ساعتين ويسير على أقلّ من مهله، ومن دون أيّ اكتراثٍ بأصوات السيارات من خلفه، وغير عابئٍ بموظفٍ منهكٍ عائدٍ من دوامه، أو بامرأةٍ مستعجلة كي تُحضّر الإفطار لعائلتها، ولا مشكلة لدى البعض الآخر بأن يقف خلف سيارتك مغلقًا عليك الطريق لدقائق طويلة بحجّة أنّه لم يجد موقفًا لسيارته، فلم يجد إلا إغلاق الطريق عليك لقضاء حوائجه الكثيرة، حتى وأنت تصطفُ اصطفافًا قانونيًا وتريد أن ترجع بسيارتك إلى الوراء فإنّك لن تجد من يقف لثانيتين ليسمح لك بالمرور إلّا سيارةً تريد الاصطفاف مكانك، وإذا حاولت أن ترجع قليلًا غلى الوراء، فإنّ بوق سيارة من خلفك تُفتحُ عليك وكأنه ينفخُ في صُور يوم البعث العظيم.
لا يقف الأمر عند ذلك، بل يتجاوزه إلى حركاتٍ بالأيدي، وشتائم مسموعةٍ وغير مسموعة، وربما يتطور الأمر إلى عراكٍ بالأيدي ينتهي في مركز الأمن، أو بتدخل بعض العقلاء، وهذه المشاهدات يومية، ولكنّها في رمضان تصير أكثر وأشدّ، وكأنّ الصائم يُحمّلك (جميلة) صيامه، وكأنّه يصوم لك لا لربه.
فلسفة الصيام تقوم (على التقوى) أي على الأخلاق، لأنك من لحظة بداية صيامك تدخل في حالة عبادة، والعبادة تنهى عن الفاحش والبذيء من القول والسلوك، فإن لم تفعل عبادتك فعلها في نفسك بأن ترفع من صبرك وأن تزيد من طاقتك الأخلاقية، فلا حاجة لله في امتناعك عن طعامك وشرابك.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-03-2025 01:33 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |