11-03-2025 09:43 AM
بقلم : د.عاصم منصور
في كل عام، يشهد شهر رمضان المبارك إنتاجات درامية ضخمة تتناول قضايا اجتماعية وتاريخية ودينية، ومن بين هذه الأعمال، يبرز هذا العام مسلسل “معاوية” كواحد من أكثر المسلسلات إثارة للجدل، ليس فقط بسبب تناوله لشخصية تاريخية محورية في التاريخ الإسلامي؛ بل أيضًا بسبب الإسقاطات السياسية التي يعكسها في ظل حالة الاستقطاب الطائفي التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم.
يتناول المسلسل شخصية معاوية بن أبي سفيان، أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، ومؤسّس الفرع السفياني من الدولة الأموية. وتبدأ أحداث المسلسل مع الفتنة الكبرى التي أعقبت مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والصراع الذي نشأ بين علي ومعاوية، والذي انتهت جولته بتنازل الحسن وقيام دولة بني أُميّة. هذه الفترة التاريخية تُعد من أكثر الفترات حساسية في التاريخ الإسلامي؛ حيث انقسم المسلمون إلى فرق ومذاهب، وبدأت بذور الانقسام الطائفي الذي ما زال يلقي بظلاله على العالم الإسلامي حتى اليوم. فبينما يُنظَر إلى معاوية في بعض الأوساط السنية كرمز للدهاء السياسي، والحكمة، فإنه يُنتقد بشدة في أوساط أخرى بسبب خروجه على خليفة عصره علي بن أبي طالب؛ وبالتالي فإن تقديم شخصية معاوية في المسلسل قد يُفسَّر على أنه محاولة لتبني وجهة نظر مُعيَّنة، أو الانحياز إلى رواية تاريخية محددة.
لا يمكن فصل أي عمل درامي يتناول التاريخ الإسلامي عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي يُعرَض فيه، فمسلسل “معاوية” يأتي في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي انقسامات طائفية حادة بين طوائف المسلمين من سنة وشيعة وإباضية، وتمثل شخصيات القرن الهجري الأول والموقف منها أهم ملامح الخلاف الطائفي وبالتالي السياسي.
ومنذ الإعلان عن إنتاج المسلسل؛ ثار جدل محموم على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الثقافية والدينية، فهناك من يرى أن العمل يساهم في تسليط الضوء على فترة تاريخية مُهمّة، ويمثل مقاربة لفهم جذور الانقسام الإسلامي؛ بينما يعتبره آخرون محاولة لإعادة إنتاج رواية تاريخية مدفوعة بأجندة لتذكي من الخلافات في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، وتخدم أجندات سياسية حاضرة.
فالأوساط الشيعية، ترى في المسلسل أنه يُروِّج لرؤية مُنحازة للتَّاريخ الإسلامي، ويتجاهل الروايات الأخرى- في المصادر السُّنِّية والشيعيَّة- التي تنتقد شخص معاوية ودوره في الفتنة الكبرى.
في المقابل، يرى البعض في الأوساط السُّنية أن المسلسل يُعيد الاعتبار لشخصية مُعاوية، ويبرز دوره في تأسيس دولة عربية إسلامية قوية بعد فترة من الفوضى، ويرى آخرون أنَّ العمل لا يستحق هذا الاهتمام والجدل.
وتبرُز هنا تساؤلات حول دور الفن في تناول القضايا التاريخية الحسّاسة، وهل يمكن للفن أن يكون مُحايِدًا في تقديم رواية تاريخية، أم أنه دائِمًا ما يعكس وجهة نظر مُعيَّنة؟ وهل يُمكن للأعمال الدرامية أن تُسهم في تقريب وجهات النظر بين الطوائف الإسلامية، أم أنها في العادة تزيد من حِدة الخِلاف والانقسام؟
ويبقى هذا المسلسل عملًا دراميًّا يثير نِقاشًا طوال الشهر الفضيل- تغلب عليه العاطفة والانحياز المُسبق- حول قضايا تاريخية وسياسية معقدة وبعيدة في الزمان، وقلّ أن خلت الدراما التاريخية من تَحيُّزٍ وانتقائية، فأحداث التاريخ لم تصل في معظمها بروايات قطعية، بل اختلف الناس في أسانيدها وفي تأويل مُتونها وفي المقابلة بين مختلفها.
ولربما تمنَّيت أن يَكتب النَّص الدرامي لهذا العمل الضخم شُيوخ المؤرخين من أهل العلم والتحقيق ليستند المسلسل على أصح الرِّوايات، ويقدِّم مُساهمة في التّخفيف من غُلواء الانقسامات الطائفية والسياسية وأثقال التاريخ، ويكتب الرِّواية الأكثر إنصافا لتلك الأحداث، مِمّا يُعزّز الوحدة ويُخفِّف الانقسام؛ ولكنني أخشى أن هذا لن يقدِّم ولن يؤخِّر كثيرًا في حالة الاستقطاب الحاد، وطُغيان العاطفة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-03-2025 09:43 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |