12-03-2025 09:36 AM
بقلم : د. ميسون تليلان
يسجل الأردن تقدمًا محدودًا في تقليص الفارق الحقوقي بين المرأة والرجل وفقًا لتقرير 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث بلغ إجمالي الدرجة التي حققها 0.652، وهو تحسن طفيف لكنه لا يعكس تحولًا جوهريًا في المشهد العام. فبينما أحرزت بعض القطاعات تقدمًا ملحوظًا، لا تزال التباينات القائمة تحدّ من تحقيق التكافؤ الفعلي، حيث تفرض بعض العوائق الهيكلية والاقتصادية والسياسية نفسها كحواجز أمام استثمار كامل الطاقات البشرية للمجتمع، مما يجعل من الضروري إعادة التفكير في الأساليب التقليدية المتبعة لمعالجة هذه التباي?ات.
على المستوى الاقتصادي، تظل مشاركة المرأة في سوق العمل دون المستوى المأمول، إذ لم تتجاوز نسبة مشاركتها 22.7%، ما يجعل الأردن في مرتبة متأخرة عالميًا رغم المؤشرات الإيجابية في بعض الجوانب، مثل تكافؤ الأجور والمناصب القيادية. هذا التناقض يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول السياسات المتبعة في تمكين المرأة اقتصاديًا، ومدى استجابتها لواقع التحولات في سوق العمل واحتياجاته المتغيرة. النموذج الحالي لا يعكس ضعفًا في كفاءة النساء بقدر ما يشير إلى قصور في إعادة هيكلة بيئة العمل، وغياب سياسات مرنة تستوعب إمكانياتهن. فم?لاً، أثبتت بعض الدول نجاحها في تعزيز مشاركة المرأة اقتصاديًا من خلال برامج دعم ريادة الأعمال النسائية، والحوافز الضريبية لأصحاب العمل الذين يوظفون النساء، إضافةً إلى توفير بيئات عمل مرنة مثل العمل عن بُعد. بناءً على هذه التجارب، فإن تطوير بيئة عمل تتسم بالمرونة، مثل إتاحة العمل الجزئي والعمل عن بُعد، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى تمويل المشاريع النسائية، قد يشكل خطوات عملية لرفع نسبة مشاركة المرأة الأردنية في الاقتصاد.
شهد الأردن تقدمًا في التعديلات التي تمت كنتيجة لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي انعكست على تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب. فقد زادت المقاعد المخصصة للمرأة من 15 إلى 18 مقعدًا، كما ضمنت القوائم الحزبية تمثيلًا أقوى للمرأة من خلال شرط وجودها ضمن أول ثلاثة مرشحين وكذلك في ثاني ثلاثة مرشحين. وقد أسفر هذا التعديل عن فوز تسع نساء عبر الكوتا الحزبية، مما يعكس أثر هذه التعديلات في تعزيز تمثيل المرأة في الحياة السياسية.
ورغم هذه التطورات، إلا أن تصنيف الأردن في التمكين السياسي للمرأة وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 لا يزال منخفضًا، حيث سجل 0.117. ومع ذلك، لم تنعكس آثار التعديلات الأخيرة في هذا التقرير نظرًا لصدوره قبل الانتخابات الأخيرة، ومن المتوقع أن تظهر نتائجها في التصنيفات القادمة إذا تم تحديثها من قبل الجهات المعنية في الدولة.
حقق الأردن 0.998 في المساواة بين الجنسين في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي والجامعي، وهو إنجاز ملحوظ. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في كيفية تحويل هذا التفوق الأكاديمي إلى فرص وظيفية حقيقية. لا تزال التخصصات العلمية والتكنولوجية تستقطب نسبة أقل من الفتيات مقارنة بالذكور، مما يعكس تباين غير مباشر في القدرة على المنافسة في القطاعات الأكثر نموًا وابتكارًا. لتجاوز هذا التحدي، يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول التي نجحت في دمج المرأة في المجالات العلمية والتكنولوجية عبر تطوير برامج تدريبية متخصصة، وتشجيع الفتي?ت منذ سن مبكرة على الالتحاق بهذه التخصصات من خلال مبادرات مدرسية وشراكات مع القطاع الخاص. رغم تحقيق تكافؤ في الرعاية الصحية الأساسية، إلا أن جودة الحياة الصحية للمرأة لا تزال بحاجة إلى تطوير، حيث يسجل الأردن مرتبة متأخرة في متوسط العمر الصحي المتوقع. إن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في توفير الخدمات الصحية، بل في ضمان استدامة هذه الخدمات وتعزيز برامج الوقاية، بما يحقق توازنًا بين الكم والنوع في مستوى الرعاية الصحية المقدمة. يمكن للأردن الاستفادة من تجارب بعض الدول في تحسين جودة الحياة الصحية عبر تعزيز برامج ا?وقاية الصحية، مثل الفحوصات الدورية الإلزامية، والتوسع في حملات التوعية حول الصحة الإنجابية والوقاية من الأمراض المزمنة، مما يساهم في تقليل التباين في الجانب الصحي.
لا يمكن إغفال تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية على تمكين المرأة في الأردن. فالأعراف الاجتماعية لا تزال تلعب دورًا في تحديد أدوار المرأة في المجتمع، وهو ما ينعكس على محدودية فرصها في بعض المجالات. إن إحداث تغيير ثقافي يحتاج إلى جهود متكاملة تشمل الإعلام، والمؤسسات التعليمية، والقيادات المجتمعية لتعزيز صورة إيجابية لدور المرأة في مختلف القطاعات.
إن التباين الحقوقي بين المرأة والرجل في الأردن لا يمكن اختزاله في أرقام تقرير دولي، بل هو انعكاس لمسار طويل من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحتاج إلى قراءة دقيقة وإرادة حقيقية لإعادة تشكيلها وفق معايير أكثر عدالة وكفاءة. وبينما تشهد اقتصادات العالم تحولات جوهرية يقودها الابتكار والتكنولوجيا، فإن أي تأخير في إعادة صياغة دور المرأة في هذه التحولات سيؤدي إلى تباينات جديدة لا تقل خطورة عن التباينات التقليدية. إن عالم اليوم لا ينتظر، وسرعة التغيرات في المشهد الاقتصادي والتكنولوجي تفرض على الأر?ن أن يكون أكثر استعدادًا لضمان أن يكون للمرأة دور رئيسي في مستقبل الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار، وهو أمر لا يتحقق فقط عبر سياسات جزئية، بل من خلال رؤية وطنية متكاملة تجعل من تمكين المرأة ليس مجرد التزام أخلاقي، بل خيارًا استراتيجيًا يعزز مكانة الأردن في اقتصاد المستقبل.
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-03-2025 09:36 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |