14-03-2025 05:48 PM
سرايا - حين وقفتُ في حضرة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، كنتُ أحملُ صوت الأردنيين في صدري، وأُترجم نبضهم حروفاً لا تعرف التملُّق، وكلماتٍ لا تجيدُ سوى الصدق. خاطبته بلسان هذا الشعب الذي لم يعتد الانحناء، ولم يعرف يوماً طريق التراجع، فقلتُ له:
يا صاحب الجلالة، إنَّا قد نختلفُ في الفكر والأيديولوجيا، وقد تتباين آراؤنا في التفاصيل، لكننا حين يتعلق الأمر بالأردن والهاشميين، نصبح كتلةً واحدة، وصفّاً لا يلين، وسيفاً لا يُكسر.
هذا الوطن ليس مجرد رقعة جغرافية، وليس حدوداً مرسومة بالحبر على الورق، بل هو ميثاقٌ مكتوبٌ بدماء الشهداء، ووصايا الأجداد المحفورةُ في جبال الكرامة، وعرقُ الفلاح الذي زرع زيتونه في الأرض لتبقى شاهدةً أن الأردن لم يُقَمْ إلا بالعزيمة ولم يَسْتَمر إلا بالإرادة.
وأردنيتنا ليست كلماتٍ جوفاء تُقال في المناسبات، ولا عباراتٍ تتراقص بها الألسن وقت الحاجة، بل هي إيمانٌ راسخٌ بأنَّ الأرض أغلى من الأرواح، وأنَّ العرش أمانةٌ في أعناقنا جميعاً، وأنَّ الجيش العربي ليس وحده من يرتدي الفوتيك في لحظات الخطر، بل كل أردنيٍّ أصيل، من الطّرة إلى الدُّرة، ومن الغور إلى الجفور، يقفُ عند أول نداء، لأن الوطن ليس مسؤولية جيلٍ واحد، بل هو إرثُ أمةٍ بأكملها.
وفي مخاطبتي لجلالة الملك، قلتُها بوضوحٍ لا يعرفُ التورية: يا صاحب الجلالة، لا يستقيم الظلُّ إن اعوجَّ العود، ولا يصلح البناء إن تآكلت قواعده. الوطن بحاجةٍ إلى رجالٍ لا تُضلّلهم المصالح، ولا تشتريهم الأهواء، رجالٍ صادقين، صدوقين، صالحين، مصلحين، يخشون الله في هذا الشعب، ويجعلون مصلحة الأردن فوق كل حسابٍ ضيّق.
ونحن أبناء أرضٍ لم تعرف أبوابها الأقفال، ولم تُغلَقْ في وجه ملهوفٍ قط. الأردني حين يمدُّ يده للمحتاج لا يسأل عن هويته، ولا يبحثُ في ماضيه، بل ينظرُ إليه بعينِ الإنسان، فيمنحه من رزقه حتى وإن كان قليلًا، ويتقاسم معه الماء حتى وإن كان شحيحاً. فتحنا حدودنا حين أغلقها الآخرون، واستقبلنا المقهورين حين تخلى عنهم العالم، ولم نكن يوماً تجّار أزماتٍ ولا باعةَ مآسٍ، بل كنا كما نحنُ دائماً: أنصاراً لكل مظلوم، وأخوةً لكل من ضاقت عليه الأرض بما رحبت.
وتحدثتُ عن الإعلام، لا بوصفه وسيلةً لنقل الأخبار، بل باعتباره جبهةً أولى في معركة الوعي، فقلتُ لجلالة الملك: نريد إعلام دولة، لا إعلام حكومة. نريد إعلاماً يصوغُ الرواية الأردنية كما هي، لا كما يريدها الآخرون. نريد إعلاماً يعزز ثقة الأردني بوطنه، لا أن يكرِّس لديه الشكوك. الإعلام ليس مهنةً حيادية حين يتعلق الأمر بالأوطان، بل هو رسالةٌ إمَّا أن تصنعَ مجد الأمة، أو تتركها فريسةً للضياع.
يا صاحب الجلالة، وحدتنا ليست شعاراً يُرفع، بل هي جدارٌ يحمي الدولة من كل ريحٍ عاتية. لا نسمحُ لمن يزرعُ بذور الفتنة أن يحصد ثمارها، ولا نمنحُ الفرقة فرصةً لتتسلل إلى صفوفنا، فنحن نعلم أنَّ الحروب لا تبدأ من ساحات المعارك، بل من الكلمات التي تفرّق، ومن الأيدي التي تهدمُ ولا تبني.
وفي ختام حديثي، قلتُ لجلالة الملك: نحن لا نبحثُ عن الشكوى، ولا نتقنُ فنَّ التذمر، بل نبحثُ عن حلولٍ تجعلنا أفضل، عن سياساتٍ ترفعُ الوطن، عن رؤيةٍ لا تبقى أسيرة الأوراق والخطابات، بل تتحول إلى واقعٍ يعيشه الأردني بفخرٍ وكرامة.
هذا اللقاء لم يكن مجرد حديثٍ عابر، بل كان رسالةَ شعبٍ بأكمله، رسالةَ ولاءٍ لا يعرفُ التزلف، وانتماءٍ لا تُزعزعه العواصف. في هذا الوطن، نحن لا نقسمُ بالله عبثاً، ولا نعاهدُ قائدنا إلا على ما نستطيعُ الوفاء به، وها نحن نقولها كما قلناها دائماً: سنحمي هذا البلد بقلوبنا قبل سواعدنا، وسنظلُّ الجند الأوفياء للعرش، كما كنا، وكما سنبقى، حتى آخر رمقٍ في الحياة.
النائب فراس القبلان
رئيس لجنة التوجيه الوطني والإعلام
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-03-2025 05:48 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |