بقلم : د. محمود ابو عويضة
منذ إقرار قانون اللامركزية في الأردن عام 2015 وتطبيقه لأول مرة في انتخابات 2017، سعت الدولة إلى تعزيز التنمية المحلية عبر إعطاء مجالس المحافظات دورًا أكبر في صنع القرار. ومع ذلك، أظهرت التجربة العملية العديد من التحديات التي حدّت من فاعلية هذه المجالس، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في التشريعات المنظمة لها لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

يعد تعزيز الاستقلالية المالية والإدارية لمجالس المحافظات من أهم التعديلات التشريعية المطلوبة. إذ لا تزال هذه المجالس تعتمد بشكل شبه كلي على الموازنات التي تحددها الحكومة المركزية، مما يقيد قدرتها على تنفيذ مشاريع تنموية مستقلة. ولضمان فعالية هذه المجالس، يجب تعديل القوانين لمنحها موازنات مستقلة، وتوسيع نطاق إيراداتها من خلال السماح لها بفرض بعض الرسوم المحلية أو الاستفادة من عوائد المشاريع الاستثمارية. كذلك، ينبغي أن تتمتع هذه المجالس بصلاحيات تنفيذية فعلية في التخطيط التنموي، بحيث تكون قادرة على اتخاذ قرارات مباشرة دون الحاجة إلى موافقة المجلس التنفيذي الذي يتبع للسلطة المركزية.

ومن القضايا المهمة التي تتطلب تعديلات تشريعية هي توضيح صلاحيات مجالس المحافظات وتوسيعها. فحاليًا، تُعتبر هذه المجالس ذات طابع استشاري في العديد من القضايا، حيث تُحيل توصياتها إلى المجالس التنفيذية التي تتمتع بالسلطة الفعلية لتنفيذ المشاريع واتخاذ القرارات المالية. لذلك، من الضروري إعادة النظر في دور هذه المجالس بحيث تكون مسؤولة عن إعداد الخطط التنموية، وإقرار الموازنات، والإشراف على تنفيذ المشاريع المحلية. كما يجب تعديل العلاقة بينها وبين المجالس التنفيذية بحيث يتم تقليص سلطات الأخيرة لصالح المجالس المنتخبة، مما يضمن تحقيق مبادئ الحكم المحلي الديمقراطي.

على صعيد آخر، يشكل نظام الانتخابات الحالي أحد العوامل التي تؤثر على تركيبة المجالس وطبيعة عملها. إذ يتميز بغياب واضح لتمثيل الأحزاب السياسية، مما يؤدي إلى هيمنة المرشحين المستقلين، وبالتالي يضعف القدرة على تشكيل كتل سياسية ذات رؤية واضحة لتنفيذ برامج تنموية متكاملة. لذا، فإن إصلاح النظام الانتخابي ليشجع مشاركة الأحزاب السياسية، وتعديل شروط الترشح بحيث يتم وضع حد أدنى من المؤهلات العلمية والخبرة الإدارية، سيعزز من كفاءة أعضاء المجالس وقدرتهم على اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية وإدارية سليمة.

كما أن هناك حاجة ملحة لتحسين آليات التنسيق بين مجالس المحافظات والحكومة المركزية. فالعديد من المشاريع المحلية لا يتم تنفيذها بسبب غياب التنسيق الفعّال بين الجهات التنفيذية والمجالس المنتخبة، مما يؤدي إلى إهدار الموارد وتعطيل التنمية. لذلك، ينبغي إدراج نصوص قانونية تلزم الوزارات بالتشاور مع مجالس المحافظات قبل تنفيذ المشاريع المحلية، واستحداث هيئة تنسيقية وطنية تجمع بين ممثلي المجالس المنتخبة والجهات الحكومية لضمان تحقيق التكامل في التخطيط التنموي.

ولتعزيز الحوكمة الرشيدة، من الضروري تطوير الإطار القانوني المتعلق بالشفافية والمساءلة في عمل مجالس المحافظات. يمكن تحقيق ذلك من خلال إصدار مدونة سلوك تحدد معايير النزاهة والشفافية لأعضاء المجالس، وإنشاء آليات رقابة واضحة لمحاسبتهم في حال التقصير أو الفساد الإداري. كما ينبغي إدراج برامج تدريب وتأهيل إلزامية لأعضاء المجالس في مجالات الإدارة العامة، والتخطيط الاستراتيجي، وإدارة المشاريع التنموية، لضمان قدرتهم على التعامل مع التحديات الإدارية والمالية التي تواجه العمل اللامركزي.

وفي إطار تعزيز دور المجالس في التنمية المحلية، من الضروري تعديل القوانين بحيث يتم منحها القدرة على تنفيذ المشاريع مباشرة من خلال وحدات فنية وإدارية متخصصة، دون الحاجة للاعتماد الكلي على الأجهزة التنفيذية الحكومية. كما يمكن تسهيل دخول المجالس في شراكات استثمارية مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع تنموية تعود بالفائدة على المجتمع المحلي، مما يعزز دورها كمحرك للتنمية المستدامة.

أخيرًا، ينبغي إعادة النظر في العلاقة بين مجالس المحافظات ومجلس النواب، إذ أن هناك تداخلًا في الصلاحيات أحيانًا، حيث يتدخل بعض النواب في عمل المجالس المحلية، مما يؤثر على استقلاليتها. لذلك، يجب أن تحدد التشريعات الأدوار بشكل واضح، بحيث يتم التنسيق بين الطرفين دون أن يكون للنواب تأثير مباشر على قرارات المجالس المنتخبة.

إن إصلاح التشريعات الناظمة لمجالس المحافظات في الأردن يعد خطوة حاسمة نحو تحقيق لامركزية أكثر فاعلية، تعزز من قدرة المجالس على تلبية احتياجات المواطنين وتحقيق التنمية المحلية. فبدون تعديلات جوهرية تضمن استقلاليتها، وتوسّع صلاحياتها، وتوفر لها الأدوات المالية والإدارية اللازمة، ستظل هذه المجالس عاجزة عن تحقيق الدور التنموي الذي أُنشئت من أجله.