15-03-2025 11:39 AM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يلتبس على كثير من الناس مفهوم مصطلح "رجل الدولة"، بحيث ينصرف المعنى إلى ما يقصدونه "ابن الدولة"، وهم يريدون به أنّ المعني يدافع عن كل ما يصدر عن سلطات الدولة من قرارات وإجراءات مهما كانت عادلة أو غير عادلة، مرضية لمجموع الناس أو غير مرضية، وابن الدولة حسب ذلك المفهوم هو المؤيد المطلق لسلطات الدولة التنفيذية والتشريعية، ومعها كيفما كانت، ويدافع عنها وعن أعضائها وعن قراراتهم ظالمةُ أو مظلومة في مطلق الأحوال، لأنّه بالضرورة مستفيدٌ من الدولة، وهو في ذلك يدافع عن مصالحه الشخصية، لا عن الدولة أبدا.
هذا المفهوم عن "ابن الدولة" يختلف تمامًا عن مفهوم "رجل الدولة"، فليس كل "رجل دولة" هو "ابن الدولة"، رجل الدولة بالضرورة أن يكون من أصحاب الخبرات الكبيرة، في مجال أو أكثر من المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، التربوية، وغيرها من المجالات، وهو من يضع خبراته وخلاصة تجاربه في يد الدولة للاستفادة منها لتحقيق التنمية الشاملة، يجترح الحلول، ويرسم السياسات، ويبتنّى الأفكار العظيمة، وهو بذلك يخدم وطنًا وأجندةً وطنية، يقدّم المصلحة العامّة على الخاصة في كل شيء، لأنّ حبه لوطنه أكبر من حبه لمصالحه وطموحاته الشخصية، فالعدل سبيله، والواجب ضميره، يبحث عمّا ينفع الوطن وأبناءه من مشاريع تنموية، ويسعى لتطوير ما تحت يده من أعمالٍ وموظفين، دليله قلبه الحريص، وحكمته المعروفة، ونزاهته المشهودة، يسعى للتوفيق بين المصالح المختلفة، ويضع بين عينيه الوطن محروسًا برموش عيونه.
رجل الدولة لا يمارس الأكاذيب ولا يُزيّن الباطل، لا ينافق ولا يقبل المساومة على الوطن، ولا يرضى أن يُقسم على اثنين، المنصب ليس غنيمة عنده، بل مسؤوليةً عظيمةً، ويعلم تمامًا أنّ القيام بهذه المسؤولية من أجل الوطن فرض عينٍ وليست ترفًا يمارسه، فهو رجل المهام الصعبة، والقرارات المدروسة، والإنجازات الملموسة، عمله يتحدّث عنه فلا يتحدّث هو عن نفسه، يجمع حوله المخلصين، ويبتعد عن المطبلّين والمنافقين، فهو يعمل من أجل المصالح العامة وترقية النخب ذات الكفاءة، ويبتعد عن الرياء وأضواء الإعلام ليتفرغ لعمله ومسؤولياته الكبيرة.
رجل الدولة ليس بالضرورة أن يكون رئيسًا للوزراء فقط، وإنما يتسع المفهوم ليشمل الوزير والأمين العام والنائب والعين، بل إنّه يمتدُّ إلى كل قائدٍ أو مديرٍ يتولى مسؤوليةً من مسؤوليات الدولة ووظيفةً من وظائفها الحساسة ذات التماسّ المباشر مع مصالح الناس.
رجل الدولة صاحب ضميرٍ حي، لا يسعى للاستفادة من كرسيه، ولا يكبر أبدًا بالكرسي، بل إنّ الكرسي هو الذي يكبر به ويرتقي، لأنّ هدفه أن يعمل، لا أن يحقق أمجادًا شخصية، أو حساباتٍ بنكية، الوطن عنده جغرافية وحياة، تاريخ وعطاء، رجل الدولة ليس عنده حقيبة سفرٍ جاهزة، ولا ملاذاتٍ آمنةً لأرقامه، ولا جنسية أخرى، أو وطنًا آخر يرحل إليه كلمّا شعر بالخطر على نفسه، أو غادر منصبه.
لدينا رجال دولةٍ كثر، نحتاج إلى أن نؤشر إليهم، إلى أن يعرفهم الناس، لنزيد من قوتهم وعزمهم، لا أن نكتفي بالبكائيات على رجال الدولة الذين مضوا بعد أن أدّوا أمانتهم، وتركوا في الذاكرة أثرًا لا يزول.
رجل الدولة هو ابن الوطن، وأبناء الوطن كثيرون.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-03-2025 11:39 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |