15-03-2025 03:07 PM
سرايا - وسط التغييرات الدراماتيكية التي تعيشها سوريا منذ سقوط النظام السابق، والانشغال باستحقاقات العملية الانتقالية، تم تسليط الضوء على نحو مفاجئ الشهر الماضي على طائفة الموحدين .
ففي 23 فبراير/شباط، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بحماية الدروز في سوريا وإقامة منطقة آمنة في محافظات الجنوب السوري الثلاث، القنيطرة ودرعا والسويداء.
وبعد عدة أيام من ذلك تفجرت الاضطرابات في مدينة جرمانا، ذات الغالبية الدرزية في محافظة ريف دمشق، فأعلن الإسرائيليون مرة أخرى استعدادهم للتدخل لحماية الدروز في مواجهة الإدارة السورية الجديدة.
الموحدون الدروز، الذين يناهزون المليون نسمة في سوريا، لم يكن لهم موقف واحد من العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة.
بل يمكن القول إن كل تحرك قام به بعض الدروز للتقارب مع دمشق الجديدة، قابله موقف درزي أعلى صوتًا يدعو للابتعاد عنها وللتحوط للتطورات المختلفة التي يمكن أن تهدد وجود طائفة الموحدين الدروز في سورية، وخصوصًا في الجنوب السوري.
آخر التطورات شملت ظهور تسريبات، في 11 مارس/آذار، عن اتفاق بين الإدارة السورية ووجهاء وفصائل من محافظة السويداء على تسوية الخلافات ودخول ممثلي السلطات السورية إلى المحافظة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية.
وفي 12 مارس/آذار، أعيد رفع العلم السوري على مبنى المحافظة في السويداء.
ولكن في 13 مارس/آذار، أعلن الزعيم الأعلى الشيخ حكمت الهجري أنه ما من وفاق أو توافق مع دمشق، والتي وصف حكومتها الحالية بالمتطرفة والمطلوبة دوليًا.
تصريحات الهجري هي الأقسى حتى الآن، وتأتي بمثابة فتوى تقطع الطريق على أي قيادة درزية تحاول عقد توافقات مع دمشق.
وفي 14 مارس/آذار، قام وفد من حوالي مئة رجل دين درزي سوري بعبور الحدود إلى داخل إسرائيل في زيارة هي الأولى من نوعها، وذلك تحت غطاء زيارة مقامات دينية درزية.
تأتي هذه التطورات بالتزامن مع توسع الحركة العسكرية الإسرائيلية، ووصولها إلى دمشق، وتقديم إسرائيل مساعدات غذائية بكميات كبيرة للدروز السوريين، بينما تبدو الإدارة السورية الجديدة محدودة الخيارات والقدرات وشبه عاجزة عن الحفاظ على الجنوب السوري.
تباينات المجتمع الدرزي السوري
عند الحديث مع ممثلي المجتمع الدرزي في محافظة السويداء نجد قراءات مختلفة حول مستقبل العلاقة مع دمشق، والموقف من الفيدرالية والحكم الذاتي وحتى فيما يخص العلاقة مع إسرائيل.
بعض هذه التوجهات يقودها رجال دين بارزون، وصولًا لمرتبة شيوخ العقل، أعلى مراتب المرجعيات الدينية الدرزية، وكذلك قيادات سياسية ووجهاء.
التيار الأبرز حاليًا هو تيار الشيخ حكمت الهجري، شيخ العقل الأول للطائفة.
ويمكن وصف تيار الشيخ الهجري بالتيار القلق إزاء وجود الطائفة ومستقبلها.
تيار الهجري يعتقد بوجود تهديدات استثنائية تواجه طائفة الموحدين الدروز، وأن هذه التهديدات تتطلب المضي نحو خيارات غير مسبوقة بما في ذلك قبول الحماية الدولية.
هذا التفكير ليس بالطارئ. وقد ظهر منذ عدة سنوات، وحاولت بعض القيادات الدرزية، في داخل وخارج سوريا، لفت انتباه القوى الدولية، والترتيب لاتصالات بين القيادات الروحية للطائفة الدرزية مع المسؤولين الأجانب.
وأبرز هذه الاتصالات حصلت في سبتمبر/أيلول 2023، وذلك عندما اتصل هاتفيًا، بشكل متفرق، ثلاثة من أعضاء الكونغرس من الحزبين، وكذلك مسؤول في الخارجية الأمريكية، بالشيخ حكمت الهجري، وأبدوا الدعم له وللانتفاضة التي يقودها أبناء محافظة السويداء ضد نظام بشار الأسد.
يرى المنتمون لهذا التيار أخطار عدة تحيط بالسويداء، فهناك علاقة متوترة تعود لعقود مع القبائل البدوية في محافظة السويداء.
وأخيرًا، في 8 مارس/آذار، حشد المقاتلون الدروز تحسبًا لهجوم بدوي كبير، إلا أن الهجوم لم يحصل.
وهناك أيضًا المخاوف إزاء هجمات الجماعات الإسلامية المتطرفة، ففي يوليو/تموز 2018 شن تنظيم "داعش" سلسلة من الهجمات والتفجيرات استهدفت الدروز في السويداء، وأدت إلى مقتل 221 وجرح أكثر من 200 آخرين، فضلًا عن اختطاف 35 مدنيًا.
تنظيم "داعش" لا يزال ينشط في الصحراء التي تحاذي السويداء، والفوضى الأمنية في البلاد قد تؤدي إلى ظهور تنظيمات أخرى أو لحصول أعمال عنف عشوائية، والتي تزعم الإدارة السورية الجديدة أنها سبب مجازر الساحل السوري الأخيرة.
ريبة الشيخ الهجري تجاه الإدارة السورية ظهرت بجلاء بعد مجازر الساحل، إذ اعتبر أن حكومة دمشق متطرفة ومطلوبة دوليًا.
تيار الشيخ الهجري يعتبر ضمنًا أن الخيارات كلها متاحة في سبيل حماية الطائفة. الشيخ الهجري لم يعلن القبول بالمساعدة الإسرائيلية، إلا أنه كذلك لم يرفضها على نحو صريح.
مقابل تيار الشيخ الهجري، هناك ما يمكن وصفه بالتيار الوطني البراغماتي الذي يخشى الطموحات الإسرائيلية وتأثيراتها على وحدة الأراضي السورية.
وأبرز ممثلي هذا التيار هم "حركة أحرار جبل العرب"، بقيادة سليمان عبد الباقي، والتي كان أفرادها هم من رفع العلم السوري، في 12 مارس/آذار، على مبنى المحافظة في مدينة السويداء.
وهناك أيضًا "حركة رجال الكرامة" التي يقودها ليث البلعوس، تأسست هذه الحركة في 2013 على يد الشيخ وحيد البلعوس (الذي اغتيل في 2015) بهدف مقاومة الخدمة العسكرية الإلزامية وتجنيب الطائفة الدرزية نيران الحرب الأهلية السورية.
ونصف هذا التيار بالبراغماتي لأنه يغض النظر عن الكثير من الملفات الخلافية مع الإدارة السورية الجديدة، الإسلامية الهوى، من منطلق وجود مصالح وضرورات.
فيرى هذا التيار، على سبيل المثال، أنه من غير المنطقي أن تبقى محافظة السويداء من دون أجهزة أمنية نظامية تعمل في كامل المحافظة.
كما أن القطاع العام السوري لا يزال من أكبر مجالات العمل في محافظة السويداء المحدودة الموارد.
ومن الصعب تلبية متطلبات محافظة السويداء دون دمشق.
شيخ العقل الثاني حمود الحناوي يعتبر من المقربين من هذا التيار الوطني البراغماتي.
ففي 13 مارس/آذار، صرح الحناوي أن الموحدين الدروز لم يطلبوا حماية أحد، وأنه يجب أن يأخذ أحمد الشرع فرصته، وأنه – أي الحناوي – لديه اتصال عبر محافظ السويداء مع أحمد الشرع.
ولكن المرجح هو أن موقف الشيخ الهجري سيبقى الأقوى بين هذه التيارات.
فمن ناحية أولى، يحرص القادة الدينيون والوجهاء في المجتمع الدرزي على الحفاظ على وحدة الصف و"إجماع المشايخ".
ولهذا من المألوف أن يتم الالتزام بتوجيهات شيخ العقل الأول، حول أي ملف كان، وأن يتجنب أصحاب الآراء المخالفة تحديه بشكل صريح.
فعلى سبيل المثال، بالرغم من أن شيخ العقل الثاني حمود الحناوي يتحدث عن ضرورة الحفاظ على العلاقة مع الشرع، إلا أنه لم ينتقد الشيخ الهجري
أما شيخ العقل الثالث يوسف الجربوع، فبقيت مواقفه محايدة، بين موقفي الهجري والحناوي، إزاء العلاقة مع دمشق.
وبهذا يبقى صوت الشيخ الهجري من دون منافس قوي.
التباين في مواقف الدروز السوريين يعكس أيضًا التباين في مواقف الدروز في عموم بلاد الشام. ففي إسرائيل، تميل الغالبية الساحقة من الدروز للاعتراف بإسرائيل والانخراط في مؤسساتها.
ويبرز الشيخ موفق طريف باعتباره من أعلى الأصوات الداعية للتعاون مع إسرائيل والاستعانة بها لحماية طائفة الموحدين الدروز.
وفي السنوات الأخيرة بات للشيخ طريف تأثير كبير على تفكير الدروز السوريين. أما في لبنان فتظهر تباينات، وإن كان الموقف الإجمالي لرجال الدين يجنح نحو رفض الاستعانة بإسرائيل والتطبيع معها.
فردًا على زيارة بعض رجال الدين الدروز السوريين لإسرائيل، أصدرت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان بيانًا يحذر اللبنانيين من أبناء الطائفة من المشاركة في هذه الزيارة ومع التهديد بـ"رفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف"، بحسب بيان مشيخة العقل.
وعلى مستوى السياسيين من الدروز اللبنانيين لا يزال وليد جنبلاط هو الأكثر نفوذًا وموقفه متطابق مع موقف مشيخة العقل في لبنان. إلا أن زعامة جنبلاط في لبنان تتعرض للمنافسة.
أما نفوذه على الدروز في سورية فيبدو محدودًا. فلم تسجل استجابة لدعوته في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024 أبناء الطائفة لتسليم السلاح والتعاون مع الإدارة السورية. جنبلاط كان وجه هذه الدعوة خلال زيارته، برفقة وفد كبير من شيوخ الطائفة اللبنانيين، إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع.
ما سبق يعني أن الإدارة السورية الجديدة لا تجد الكثير من الأنصار الأقوياء داخل الطائفة الدرزية، وهذا يضعف من موقفها في مواجهة التطورات الدراماتيكية في الملف الدرزي.
أوراق دمشق
مقابل هذا المشهد المعقد في السويداء، وتوسع التحركات الإسرائيلية، تفتقر دمشق للأوراق القوية فضلًا عن أنها تعاني مشاكل متنامية في ملفات الاقتصاد والأمن والإدارة في عموم البلاد.
يفترض أن أهم الأوراق في يد دمشق هي ورقة الخطاب الوطني الساعي لإبقاء سورية موحدة. نظريًا، يمكن أن يجذب هذا الخطاب شرائح مهمة من الدروز في السويداء وجرمانا وغيرها من المناطق.
إلا أن استخدام هذه الورقة ليس بالأمر السهل بالنسبة للإدارة السورية الجديدة التي لا تخفي أنها إسلامية الهوى، وتسعى إلى أدلجة المؤسسات الحكومية والعمل السياسي في البلاد. وهذا ما يمكن أن يثير حفيظة حتى أكثر الدروز حرصًا على وحدة الأراضي السورية.
فضلًا عن أن فعالية هذه الورقة في جعبة الإدارة السورية الحالية باتت موضع شك، وذلك في أعقاب المجازر التي شهدها الساحل السوري هذا الشهر. فالدروز يشتركون مع العلويين في أنهم خرجوا من رحم المذهب الشيعي الجعفري. ولهذا يكن الإسلاميون السلفيون عداءً عميقاً لهاتين الطائفتين.
ومن المرجح أن الموحدين الدروز قلقون بشكل أكبر إزاء ضعف الإدارة السورية في ضبط الأصوات المتطرفة ومنع تكرار تحركات غير منضبطة تدعو للجهاد واستخدام العنف، كما حصل خلال مجازر الساحل.
الورقة الثانية القوية لدى الإدارة السورية الحالية هي ورقة دور الدولة.
فأهالي السويداء بحاجة إلى الخدمات الأمنية والرواتب الحكومية والوثائق الرسمية، وعلى رأسها جوازات السفر.
النظام السابق استفاد من هذه العوامل للحفاظ على بعض نفوذه في السويداء في السنوات الأخيرة.
إلا أن الإدارة السورية الحالية تبدو أضعف من النظام حتى فيما يخص الاحتفاظ بهذه الورقة واستخدامها، فالإدارة السورية الحالية تسعى لفصل غالبية الموظفين الحكوميين.
والسويداء كانت من أولى المحافظات التي فصل الموظفون فيها.
كما أن الإدارة السورية الحالية لا تمتلك ما يكفي من موارد لتحسين الخدمات المقدمة للسوريين في عموم البلاد، وفي السويداء خصوصًا وهي التي عانت لسنوات من تراجع الخدمات الحكومية.
ويشير بعض المطلعين إلى ورقة ثالثة وهي العلاقة البراغماتية القديمة التي نشأت منذ بداية الحرب السورية بين "جبهة النصرة" – التي تحولت أخيرًا إلى "هيئة تحرير الشام" – وبعض الفصائل المسلحة في السويداء، وذلك عندما كانت "جبهة النصرة" تنشط في محافظة درعا المجاورة.
المطلعون على هذه العلاقة يشيرون إلى أنها شملت التعاون في عمليات التهريب. وهذه العلاقة البراغماتية القديمة تسمح بفتح حوار حول مستقبل علاقة الجنوب السوري بدمشق، إلا أن هذه العلاقة لا تستطيع تحدي نفوذ شيخ العقل الهجري.
كما أن السكان المحليين لا ينظرون بكثير من الاحترام للكثير من هذه الفصائل التي انخرطت في أنشطة جنائية مشبوهة طوال سنوات الحرب.
الخلاصة المؤسفة هي أن حظوظ دمشق ضعيفة للغاية فيما يخص إقناع الدروز السوريين بالانضواء تحت مظلتها والاعتراف بشرعيتها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-03-2025 03:07 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |