18-03-2025 09:33 AM
بقلم : د.عاصم منصور
تشهد جامعة كولومبيا أزمة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة بعد تلقيها خطابًا من حكومة الرئيس ترامب تفرض فيه شروطًا صارمة فيما يتعلق باستمرار التمويل الفيدرالي للجامعة، بما في ذلك إلغاء عقود ومنح فيدرالية بقيمة 400 مليون دولار. ويأت هذا القرار بسبب ما وصفته الحكومة بتقاعس إدارة الجامعة عن مواجهة المضايقات المستمرة التي يتعرض لها الطلاب اليهود في الحرم الجامعي إثر احتجاجات طلابية مؤيدة لفلسطين ومناهضة لحرب الإبادة في غزة، متهمة إياها بالتشجيع على معاداة السامية. هذه المطالب التي تشمل إعادة تنظيم الأقسام الأكاديمية وتغيير السياسات التأديبية وسياسات القبول، تمثل تهديدًا خطيرًا وحقيقياً للحرية الأكاديمية، واستقلالية المؤسسات التعليمية.
فقد حمل الخطاب تسعة شروط قاسية وُجهت لإدارة الجامعة؛ بحيث يجب أن تلتزم بها إذا رغبت في الاستفادة من الدعم الحكومي، ومن أبرز هذه المطالب: إلغاء مجلس القضاء الجامعي وتوحيد جميع العمليات التأديبية ضمن مسؤوليات مكتب الرئيس، ومنحه سلطة طرد أو تعليق دراسة الطلاب. كما طالب الخطاب بوضع قسم دراسات الشرق الأوسط تحت إشراف أكاديمي مشدّد لمدّة لا تقل عن خمس سنوات، وفرض حظر على الطلاب الذي يرتدون أقنعة تخفي هوياتهم، وأتاح هذا القرار لضباط الأمن العام إنفاذ سلطة القانون كاملاً، بما في ذلك اعتقال وإبعاد «المشاغبين». وتبنى الخطاب تعريفاً جديداً لمعاداة السامية يعتمد على الأمر التنفيذي للرئيس ترامب، والذي يستند إلى تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، كما دعى إلى إصلاح سياسات القبول لتتماشى مع القوانين والسياسات الفيدرالية. وبالفعل امتثلت الجامعة لبعض المطالب، بإصدار قرارات بالطرد وتعليق الدراسة للطلاب المشاركين في احتلال قاعة هاميلتون العام الماضي، إضافة لشروط أخرى مثلت تدخلًا سافراً في شؤون الجامعة.
مثل هذه المطالب تمثّل تحديًا جوهريًا لاستقلالية المؤسسات التعليمية، التي لطالما كانت مساحات للنقاش المفتوح والبحث الحر بعيدًا عن التدخل الخارجي.
أما المطلب الأهم فكان بوضع قسم دراسات الشرق الأوسط تحت إدارة خاصة وهذا ما أثار قلقا لدى المؤسسات التي تعنى بالحريات العامة، والتي رأت في هذا الإجراء استهدافا للمنح الدراسية والنشاطات المؤيدة لفلسطين. وهذا يعكس اتجاهًا أوسع لإسكات الأصوات المعارضة في القضايا المتعلقة بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
تعيد هذه الإجراءات إلى الأذهان أحداثًا تاريخية مشابهة حصلت في الولايات المتحدة خلال حقبة «المكارثية» في الخمسينيات، فقد تم فصل العديد من الأكاديميين بسبب اتهامات بالانتماء إلى الفكر الشيوعي، كما تم فرض «قسم الولاء» على أساتذة الجامعات مما أدى إلى تآكل الحرية الأكاديمية.
إنّ ما يحدث في جامعة كولومبيا ليس مجرد أزمة جامعية روتينية، بل هو جزء من اتجاه أوسع يهدد مستقبل حرية التعبير والديمقراطية في الولايات المتحدة. فعندما تلوّح الحكومة الفيدرالية باستخدام التمويل كوسيلة ضغط لفرض أجندات سياسية على المؤسسات التعليمية، فإنها تدكُّ استقلالية هذه المؤسسات وقدرتها على تعزيز التفكير النقدي والنقاش الحر.
ولا شك بأنه في أي نظام ديمقراطي تمثل حرية التعبير حجر الزاوية فيه، ومع ذلك، فإن التدخلات الأخيرة تشير إلى تآكل هذه الحرية، حيث يتم استهداف الأصوات المعارضة وإسكاتها. وفي حال استمرت هذه التوجهات، فإنها لن تؤثر فقط على الأداء الأكاديمي للجامعات بل ستؤدي إلى تراجع أوسع في القيم الديمقراطية التي تقوم عليها الولايات المتحدة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-03-2025 09:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
![]() |
رمز التحقق : |
أكتب الرمز :
|
برأيك.. هل توسع واشنطن نطاق ضرباتها على الحوثيين لتشمل استهداف مواقع إيرانية بشكل مباشر؟
تصويت
النتيجة
|