18-03-2025 11:20 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع قبل أيام بالموافقة على إصدار إعلان دستوري جديد بعد أن تقرر وقف العمل بالدستور الوطني لعام 2012. وقد جاء هذا الإعلان مقتضبا من حيث نصوصه الدستورية، التي اقتصرت فقط على إيراد أحكام تنظيمية تتعلق ببيان شكل الدولة ونظام الحكم فيها خلال المرحلة الانتقالية القادمة والتي جرى الاتفاق على تحديد مدتها بخمس سنوات. كما تضمن الإعلان الدستوري نصوصا خاصة بتشكيل السلطات الثلاث في الدولة وصلاحيات كل منها والعلاقة بينها، بالإضافة إلى تكريس الحقوق والحريات للمواطنين السوريين.
ويختلف الإعلان الدستوري عن الدستور الدائم من حيث أن الإعلان يعتبر بمثابة دستور مصغر يتم إصداره خلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة بهدف تنظيم عملية الانتقال من الحالة السياسية والاجتماعية التي كانت مطبقة فيها إلى إنشاء نظام حكم جديد مختلف في مضمونه وشكله وأسسه.
وعادة ما يصدر الإعلان الدستوري بعد اندلاع ثورة أو تنفيذ انقلاب ويمتاز بالتأقيت في تطبيق نصوصه، في حين أن الدستور الوطني يتمتع بالديمومة والثبات في عملية سريانه.
ومن خلال استعراض نصوص الإعلان الدستوري السوري الجديد لعام 2025، نجد أنه قد تبنى مبدأ الفصل بين السلطات بصورته الجامدة، القائم على أساس وجود سلطتين تشريعية وتنفيذية مستقلة كل منهما عن الأخرى، دون تقرير أي شكل من أشكال التعاون أو التشاركية بينهما، وبالأخص في مجال الرقابة البرلمانية التي تمارس بالعادة من قبل ممثلي الشعب على الوزراء في السلطة التنفيذية. فالإعلان الدستوري قد قرر مسؤولية الوزراء أمام رئيس الجمهورية وليس أمام نواب الأمة، مما يضفي على نظام الحكم الجديد في سوريا صفة النظام الرئاسي وليس البرلماني.
وما يعزز من القول بأن سوريا خلال المرحلة الانتقالية القادمة سيحكمها نظام رئاسي مطلق، تلك الصلاحيات الواسعة التي قررها الإعلان الدستوري لرئيس الجمهورية، والتي يمتد نطاقها لتشمل السلطات الثلاث في الدولة. فالرئيس يختار الوزراء في الحكومة دون أن يتم النص صراحة على إنشاء منصب رئيس الوزراء، كما يعين أعضاء مجلس الأمن القومي وقضاة المحكمة الدستورية العليا.
كما يثبت لرئيس الجمهورية صلاحيات في الظروف الاستثنائية تتمثل بإعلان حالة الطوارئ وفق أحكام المادة (41) من الإعلان الدستوري إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية وسلامة الدولة، وإن كان واضعو الإعلان موفقين في تعليق هذا القرار على موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية، وتحديد نطاق سريانه بمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
وفيما يخص السلطة التشريعية، فقد أعطى الإعلان الدستوري الجديد رئيس الجمهورية الحق في تشكيل لجنة عليا للاشراف على عملية انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، على أن يقوم الرئيس بتعيين الثلث المتبقي لضمان التمثيل العادل والكفاءة. كما جاء الإعلان بحكم مستغرب يتمثل بتأقيت مدة مجلس الشعب بثلاثين شهرا قابلة للتجديد بموافقة الرئيس.
في المقابل، جاء الإعلان الدستوري بحكم إيجابي في المادة (26) منه يتمثل باعتبار مجلس الشعب المكون الأساسي للسلطة التشريعية إلى حين اعتماد دستور دائم للبلاد واجراء انتخابات تشريعية جديدة، بحيث يتمتع أعضاؤه بحصانة نيابية، فلا يجوز عزلهم إلا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس.
كما استثنى الإعلان الدستوري رئيس الجمهورية من صلاحية إصدار أي مراسيم تشريعية أو ما يُعرف بالقوانين المؤقتة ومزاحمة السلطة التشريعية في إصدار القوانين، فأصبح التشريع حقا حصريا لمجلس الشعب.
وما يسجل أيضا للإعلان الدستوري الجديد أنه ركّز على مفهوم المركزية السياسية في سوريا، حيث تنص المادة الأولى منه على أنها «دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها». وبهذا يكون واضعو الإعلان الدستوري قد أغلقوا الباب أمام أي محاولة للتقسيم أو الانفصال من قبل أي حركة عرقية أو جهادية، وبالأخص تلك المناطق التي تسكنها الأقلية الكردية.
ومن الإيجابيات الأخرى للإعلان الدستوري ما تضمنته المادة (12) منه التي تنص على اعتبار جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمُصادق عليها من الجمهورية السورية، جزءاً من الإعلان الدستوري. بالتالي، لا يجوز إصدار أي قانون من السلطة التشريعية أو اتخاذ أي قرار من السلطة التنفيذية يتعارض مع هذه الحقوق المكرّسة دوليا.
كما يُحسب للاعلان الدستوري الجديد أنه تضمن في المادة (49) منه نصوصا تتعلق بالعدالة الانتقالية، حيث تم النص على إنشاء هيئة لتحقيق هذه العدالة تعتمد آليات تشاورية مرتكزة على الضحايا لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، بالإضافة إلى تكريم الشهداء. واعتبر الإعلان الدستوري كافة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام الحكم السابق ضمن اختصاص هذه الهيئة، وذلك من خلال استثنائها من مبدأ عدم رجعية القوانين.
ومن النصوص التشريعية التي أثارت الجدل في الإعلان الدستوري الجديد تجريم أي محاولة لتمجيد نظام الأسد ورموزه، واعتبار أي رأي أو قول يقوم على إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها جريمة يعاقب عليها القانون.
وبهذا يكون الإعلان الدستوري السوري الجديد قد اتبع النهج التشريعي ذاته الذي اختاره المشرع الوطني في العديد من الدول العربية التي شهدت انقلابات رئاسية، والتي أصدرت قوانين خاصة تجرم أنظمة الحكم السابقة، مثل قانون اجتثاث البعث في العراق وقانوني العزل السياسي في كل من مصر وليبيا.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-03-2025 11:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |