18-03-2025 12:59 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يعتبر المجتمع الأردني من المجتمعات الشابّة نظرًا إلى النسبة إلى عدد السكّان، فخُمس المجتمع الأردني يقع اليوم في المرحلة العمرية ما بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين من العمر، وهذا ما يجعله من المجتمعات الفتيّة، فإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ مرحلة الشباب تصل إلى الثلاثين فإنّ النسبة مرشّحةٌ للارتفاعِ إلى الربع، وربما إلى الثلث لمن هم دون هذا العمر.
هذه النسبة جميلة جدًا، وهي أشبه ما تكون بالربيع المبشّر بالخير والعطاء، لكنّ الربيع لا يمكن أن يأتي بالعطاء قبل ماءٍ كافٍ ترتوي منه الأرض، فماذا فعلنا من أجل ربيع شبابنا الأردني، وما هو الماء الذي قدّمناه لهم لينضجوا بناةً فاعلين في مجتمعهم !!
المشكلات التي تواجه الشباب عميقة وكبيرة، ولا يكفي مقال، ولا ألفٌ لتشخيصها، أو وضع رؤيةٍ لحلّها بشكلٍ فردي، فالمسألة عامّة وتحتاج إلى ذوي الخبرة والاختصاص في مجالاتٍ مختلفة، ابتداءٍ من علماء الاجتماع والنفس، مرورًا بمؤسسات الدولة المعنية، بشراكة مع رأس المال الفاعل على الأرض، فحجم اليأس والإحباط لم يعد يوصف لدى فئةٍ كبيرةٍ منهم تخرّجت من الجامعات ولم تجد عملًا، سوى العمل على التطبيقات السطحية (توصيل ركاب، وتوصيل طلبات)، ولا أقلل أبدًا من قيمة العمل مهما كان نوعه وشكله، لكن من المؤلم أن ترى طبيبًا أو مهندسًا أو ممرضًا أو حقوقيًا، أو غيرهم من أصحاب التخصصات يتركون سقف أحلامهم وطموحاتهم ينخفض ليلامس سطح الأرض من أجل السعي وراء لقمة الخبز اليومية بأية طريقة.
الاستفادة القصوى من طاقة الشباب تحتاجُ إلى إعادة تفكيرٍ جذرية في كل ما يتعلّق بهم، وذلك لا يتأتى إلّا من خلال رؤيةٍ شاملة تمتدُّ إلى نوعية الجامعات والتخصصات المنبثقة عنها، وربط المخرجات بأسواق عملٍ قادرةٍ على استيعابها، من دون أن نقول للشابّ (إذهب أنت وربّك فقاتلا).
إذا أردنا شبابًا طموحًا قادرًا على البناء، بعيدًا عن شبح البطالة الذي يخيّم على الرؤوس، وجيلًا يحارب المخدرات والجريمة المتزايدة وواعيًا لما حوله من أحداثٍ ومجريات، وفكرًا وسطًا ينبذ العنف والتطرّف والإرهاب، فإنّ الأمر يستدعي مراجعةً شاملةً ضمن الإطار الوطنيّ كله، بحيث تتكامل الجهات العاملة مع بعضها لتحقيق الغاية والنتيجة، فليس من المعقول أن تكتفي الجامعات بالدور التقليدي، وكأنّها مجرد آلات تفريخ دون أن تسعى إلى استفزاز الطاقات الكامنة لدى طلبتها، وليس على المدارس أن تغضّ الطرف عن طموحات وأحلام الطلاب فيتخرّجون منها من دون أن يدركوا إمكاناتهم العقلية، أو تكون لديهم القدرة (على الأقل) على اختيار ما يناسبهم من تخصصات، وليس على المؤسسات المعنية بالثقافة والشباب أن تكتفي ببضع برامج خجولة لا تغطّي نسبة الـ 0.01% وجلّها في التمكين والتدريب على الانخراط في الحياة العامّة، وذلك آخر ما يشغل بال من يبحث عن وظيفةٍ يسدّ بها جزءًا من احتياجاته اليومية.
لا أقلّل من شأن هذه الأمور والبرامج التوعوية، ولكن يجب وضعها في مكانها الصحيح على سلّم الأولويات، ومن ثم البدء بالأهمّ فالمهم، كي لا يخرج علينا جيلٌ يصيح ذات يوم (أضاعوني وأيُّ فتىً أضاعوا).
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-03-2025 12:59 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |