20-03-2025 10:13 AM
بقلم : شهرزاد مثقال أبو تايه
في صفحات التاريخ العربي، تلمع أسماء نساءٍ لم يكنّ مجرد زوجات أو أمهات لخلفاء، بل كنّ رمزًا للكرامة، ونبراسًا للفخر، وصوتًا يجلجل من عمق الصحراء ليحمل معنى الحرية والشموخ.
ومن بين تلك الأسماء يبرز اسم ميسون بنت بحدل الكلبية، التي كانت تسكن الأردن، وتحديدًا في جنوبه، حيث الأصالة والعراقة والأنفة ما تزال تُروى من ماء الأرض وتُورّث مع ترابها.
تنتمي ميسون إلى قبيلة كلب، وهي قبيلة عريقة سكنت بادية الشام وجنوب الأردن، حيث البساطة عماد العيش، والكرامة عمق الهوية، والنخوة سجيّة متجذّرة. ورغم انتقالها إلى قصر الخلافة بعد زواجها من معاوية بن أبي سفيان، ظلّ قلبها معلّقًا بأرضها، بحياة البادية ودفء البيت البسيط الذي «تخفق الأرواح فيه»، عبّرت عن ذلك في قصيدة خالدة، رسمت بها ملامح الانتماء الحقيقي:
لَبَيْتٍ تَخْفُقُ الأرْوَاحُ فِيهِ ****أحبُّ إليَّ من قَصْرٍ مِنِيفِ
ولُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي****أحبُّ إليَّ من لُبْسِ الشّفُوفِ
تلك الكلمات لم تكن مجرد حنينٍ للبادية، بل كانت إعلانًا صريحًا أن الكرامة لا تُقايض، وأن النفس العزيزة لا تروضها القصور، بل يعلو قدرها في بساطة العيش وصدق الانتماء.
وما أصدق أن تُقاس ميسون بكل أمٍ أردنية حرّة، تُربي أبناءها على الكرامة والعزّة ورفض التنازل عن القيم، مهما عَلت المناصب وتبدّلت الأحوال. تلك الأم التي لا تنتظر وجاهة المال ولا بريق المظاهر، بل ترى الفخر في أن تخرج من بيتها رجالاً لا تلين، يحملون نخوة البادية، أقوياء، صامدين، أعزاء لا يعرفون الانكسار.
لقد أعادت ميسون بصوتها القديم رسم صورة الأم الأردنية. لا تكتب القصائد، لكن تصوغ كل يوم أبناءها على أن الرجل الذي يعرف معنى الكرامة هو الثروة الحقيقية. فكم من ميسون أردنية في حاضرنا اليوم، تصنع رجالًا بأخلاق البادية، وتُورّثهم معنى العزّة الذي لا يُشترى ولا يُورّث إلا في حضن أمٍّ حرّة، أصيلة، كريمة النَفس والنَسب. وإن اختلف الزمن وتبدّلت الظروف.
في كل بيت أردني، تقف أمٌ تزرع في أبنائها حب الأرض، وتُعلّمهم أن الرجولة لا تصنعها القصور، بل تصنعها القيم والمواقف والشهامة. هي التي تفتخر ببيتها البسيط لأنه عامر بالحب، وتفخر بأبنائها لأنهم كبروا على العزّة والكرامة. إن ميسون لم تكن حالة فردية، بل كانت بداية سلسلة طويلة من النساء الحرائر، تتجسد كل يوم في أمهات أردنيات يبنين الوطن من الداخل، ويربّين شبابا على الكرامة والمروءة والوفاء للأرض.
امهاتنا الاردنيات الاصيلات، هن من زرعن فينا منذ الطفولة قيم الشجاعة والصبر، والعطاء. وعلى من يتتبع التاريخ الصحيح، يرى ان لكل أردني أم وهبت نفسها لتربي أبنائها اشدّاء يحملون قلوبهم بين راحات أيديهم يدافعون عن كرامة الأردن. وبذلوا أرواحا تربت على يد أمهات مؤمنات بالوطن وبالكرامة. أمهات ودّعن أبناءهن بقلوب قوية، وغرسن فيهم حب الأرض والإباء.
كل عام وكل أم أردنية حرّة عزيزة، وكل عام ووطننا صامدا لا يهون.
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-03-2025 10:13 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |