20-03-2025 12:41 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
تبدو فكرة التعاطي مع الدولة فكرة ملتبسة لدى الكثيرين، والكثير منهم لا يدرك الفرق بين الحكومة والدولة، ولا بين فكرة الدولة وسياساتها العامّة وبين نهج الحكومات ومشاريعها وبرامجها المختلفة، ففي حين يتسّع مفهوم الدولة لتكون الحكومة إحدى أدواتها، يضيق مفهوم الحكومة باعتبارها واحدة من سلطات الدولة، وذراعها التنفيذي لضمان تطبيق القانون ورسم وتنفيذ البرامج والمشاريع التنموية المختلفة، ولها في سبيل ذلك ولايتها الخاصة بها.
مفهوم الدولة يميل إلى العمومية أكثر، وإن كانت لأجزاء كثيرة منه صفة حكومية أو سياسية، فالدولة لا تقوم من دون شعبٍ، ولا من دون جغرافيا، ولا نظامٍ سياسي مؤطّرٍ بمؤسسات دستورية وقانونية يدير شؤونها المختلفة، والحكومة بهذا المفهوم تغدو جزءًا من الدولة، وليست الدولة بعينها.
عند الحديث عن الدولة يكون الأمر أكبر بكثير من تسطيح الفكرة أو تأطيرها في إطار بعض الخدمات المطلوبة هنا وهناك، فلا يجوز أبدًا ربط القضايا الكبرى مثل الهوية الوطنيّة، الولاءات المزدوجة، الصراعات الإقليمية، والمشاريع القومية، بمشاريع النفع العام الداخلية مثل التأخر في صيانة مستشفى، أو عدم فتح طريق، أو إيجاد حلول لأزمة المواصلات، وفي إطار إقليمٍ ملتهبٍ فإنّ الوقوف إلى جانب الدولةِ لا يغدو ترفًا قدر غدوِّه فرض عين، لأنّ الأمر يتعلق بكينونةٍ ووجود، وصراعٍ يمتدّ إلى تغيير الحدود.
تواجه الدولة (العربية خصوصًا) اليوم أصعب المواقف في تاريخها الحديث، في ضغوطٍ دولية وإقليمية تتكشّفُ أنيابها عن مؤامراتٍ لم يعد أصحابها يخفونها حتى عن الشعوب، لاعبين على أوتارٍ نعرفها جيّدًا، ويعرفون أنّنا نعرفها، ويعرفون أنّنا سنقع في فخّها الذي نراه أمامنا، ونعرف أنّنا سنقعُ فيه، لأنّ بوصلتنا الجامعة مشوّشة، والأرضيةُ التي نقف عليها رخوةً إلى حدود التفكير فقط بـ "اللهم نفسي ولتحترق الأرض تحت غيري"، و "رأيي صواب لا يحتمل إلّا الصواب، ورأي غيري خطأ لا يحتمل إلّا الخطأ"، وإنّ إلقاء نظرةٍ خاطفة على مواقع التواصل الاجتماعي كفيلةٌ بتأييد هذا الكلام حدّ البكاء، ويكفي منشورٌ واحد عن (طبخةٍ معيّنة) خاصة بمجتمع معيّن أو بلدٍ ما، أو تفصيلةٍ دينية لمذهبٍ أو دين، لبيان حجم التأزّم والتعّصب في التعليقات، ولئن قال قائلٌ إنّ التعليقات لا تعطي صورةً كاملةً عن فئةٍ أو مجتمعٍ معيّن، فإنّ القول صحيح، ولكن عندما تثور الأزمات فإنّ صوت العقل يغيب، وتبرز الأقلية المتعصّبة قائدًا لا يملك الآخرون إلّا اتّباعه خوفًا من نتائج لا تُحمد عقباها.
أوّل خطوات حلِّ أي مشكلة هو الاعتراف بوجودها، أمّا الإنكار فلن يزيدها إلّا تأزمًا، وأوّل أمرٍ في سبيل الحفاظِ على الدولة من أيِّ خطرٍ خارجيٍّ هو الالتفاف حولها من الكافّة، بغضّ النظرِ عن الاتفاق أو الاختلاف مع الحكومات، فالحكومات متغيّرة، والدولة باقية ما بقيت متماسكةً بمجموع عناصرها، فإذا اختلفت هذه العناصر مع بعضها صارت عرضةً لنخرها، والولوج إليها من أبوابٍ كثيرة.
إنّ تصليب الأرضيّة التي نقف عليها بالوعي والفكر والثقافة، ومواجهة المشاكل ابتداءً من الاعتراف بوجودها، والسعي لحلّها بشجاعةٍ وصدرٍ مفتوح، والاتّفاق على حق الاختلاف، والاختلاف في إطار الاتفّاق، هي خطواتٌ أولى في سبيل تمتين الدولة وتقويتها وبنائها على قواعد سليمة، وهي مسؤولية مشتركة يتحمّلها الجميع كلٌّ في مكانه.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-03-2025 12:41 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |