21-03-2025 01:56 PM
بقلم : د. مثقال القراله
الكرامة والأم... كلمتان تتغلغلان في أعماق الوجدان، تجسدان أنبل القيم، وتحملان في طياتهما أسمى المعاني، فهما نبض العزة والانتماء، وهما الركيزة التي تبنى عليها المبادئ الراسخة، وهما الشعلة التي تنير درب الحياة. الكرامة هي الكبرياء الذي لا ينحني، والشرف الذي لا يُمس، هي الإرث الذي تتناقله الأجيال بحب وفخر، والأم هي الجذور الثابتة التي تمنحنا القوة، وهي القلب الذي ينبض بلا توقف ليمنحنا الحياة، وهي الملاذ الآمن الذي مهما ابتعدنا، نظل نعود إليه. ما أجمل أن تكون للأرض رائحة الأم، وما أروع أن يكون للكرامة طعم يشبه حنانها. فالأردن، هذا الوطن الغالي، هو مزيج من عزة الأرض ودفء الأمهات، وطن ظل شامخاً عبر العقود بفضل رجاله الأوفياء ونسائه الصابرات، وأمهاته اللواتي قدّمن أرواحهن ودموعهن في سبيل تربية أجيال تصون العهد وتحمل الراية. من جباله الشامخة إلى سهوله الخصبة، ومن وديانه العميقة إلى صحرائه المهيبة، يروي الأردن قصة مجد لا تنتهي، تُخطّ تفاصيلها نساء عظيمات، أمهات حملن رسالة الوطن في قلوبهن، وسقينها بحبّهن وصبرهن.
ولعل أعظم تجسيد لمعنى الكرامة الأردنية هو معركة الكرامة الخالدة، التي سطّر فيها جنود الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية ملحمةً من البطولة والعزّة، دافعوا فيها عن أرضهم بكل بسالة، فأثبتوا أن الكرامة ليست مجرد كلمة، بل هي فعل وصمود وتضحية. لم يكن يوم الكرامة مجرد معركة عابرة، بل كان عنواناً لإرادة لا تلين، ودرساً للعالم أجمع بأن الأردني، حين يُمس شرفه أو وطنه، يتحول إلى أسد لا يهاب الموت، وأن الأرض التي رُويت بدماء الشهداء ستظل حصناً منيعاً لأبنائها. حيث سطر فيها جنود الجيش العربي الأردني أروع ملاحم البطولة في 21 مارس 1968. في هذا اليوم، خاض الجيش الأردني معركة بطولية ضد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الأراضي الأردنية. ورغم الفارق الكبير في الإمكانات العسكرية، أظهر الجيش الأردني شجاعة استثنائية وإصرارًا لا يُقهر، فدافع عن أرضه بكل بسالة، وأثبت أن الكرامة هي فعل وصمود وتضحية. كانت معركة الكرامة أكثر من مجرد صراع عسكري؛ كانت بمثابة اختبار عظيم لصلابة إرادة الشعب الأردني وجيشه في الدفاع عن الوطن والشرف. بعد هذه المعركة، أصبح "يوم الكرامة" رمزًا حيًا للكرامة الوطنية والوحدة بين الجيش والشعب، كما أصبح مناسبة لتجديد العهد بحماية الوطن والدفاع عن أرضه.
وما أعمق دلالة أن يتزامن يوم الكرامة الأردني مع عيد الأم، فالأم هي التي تغرس في أبنائها معاني الصمود والتضحية، وهي المدرسة الأولى التي تعلمهم كيف يكون حب الوطن جزءاً من كيانهم. كما أن أمهات الشهداء قدمن أعظم صور التضحية عندما قدمن فلذات أكبادهن في سبيل كرامة الوطن. في هذا التزامن، رسالة واضحة بأن الكرامة لا تولد من فراغ، بل هي امتداد لقيم تربوية راسخة، تبدأ من حضن الأم التي تعلّم أبناءها حب الأرض والدفاع عنها بكل ما يملكون. فكما احتضنت الأمهات أبناءهن بحنان، احتضنت أرض الأردن أبناءها بشرف وكبرياء، ليبقى الوطن عامراً بالحب والمجد.
اليوم، أرفع صوتي عالياً، وأقول بكل فخر واعتزاز: عاش الأردن، وعاش شعبه العظيم، وطناً صامداً لا تهزه العواصف، ولا تنكسر راياته أبداً. إنه وطن صنع أمجاده بجهد رجاله وسواعد نسائه، وأمهاته اللواتي أنجبن أبطالاً يحمون ترابه ويعمرونه بحبهم وولائهم. وكيف لا نفخر ونحن نرى نموذجاً مشرقاً للمرأة الأردنية في جلالة الملكة رانيا العبدالله، التي لم تكن فقط سيدة القصر، بل كانت سيدة القلوب، والأم الحانية التي حملت على عاتقها مسؤولية خدمة الوطن، فزرعت في قلوب الناس الأمل، وفي عقول الأجيال علماً ومعرفة، وبأفعالها أثبتت أن المرأة الأردنية تستطيع أن تكون قائدة، وأماً، وركيزة نهضة. بجانب دورها كأم، فهي من أكثر الشخصيات التي كرست وقتها وجهدها لتحقيق التقدم والرقي في المجتمع الأردني. كانت ولا تزال الملكة رانيا حاملة لواء التعليم وحقوق الأطفال والمرأة، وهو ما يعكس ارتباطها العميق بجذور الكرامة التي تجسدها الأم الأردنية في أسرتها ومجتمعها.
إلى كل أم، سلامٌ عليكِ أينما كنتِ، في الحياة أو في ذاكرة من أحببتِ، فجذوركِ ضاربة في أعماقنا، تُروى بالأصالة والمودة، ونوركِ لا يخبو مهما مرّت الأيام. كل عام وأنتِ الخير، كل عام وأنتِ النور الذي لا ينطفئ، يا من جعلتِ الحب رسالة، والعطاء أسلوب حياة، والتضحية طريقاً للمجد. أنتِ التي علمتِنا أن الحياة موقف، وأن القوة ليست في الجسد بل في القلب، وأن العطاء هو ميراث القيم الذي لا يفنى. أما أمي الغالية، فالحمد لله ألف مرة على كل يوم يمر وأنتِ معنا، بكامل عافيتكِ، أنتِ النعمة التي لا تقدَّر بثمن، وأنتِ الخير الذي لا ينضب. في كل يوم أشكر الله أنكِ معي، فحضنكِ وطن، وحديثكِ سلام، ونظرتكِ دفء يروي الروح. كل عام وأنتِ تاج رأسي، كل عام وأنتِ الحب الأول والأبقى، كل عام وأنتِ الحياة.
كل عام والوطن بخير، كل عام وكل أم بألف خير، كل عام ورايات الكرامة ترفرف فوق سماء الأردن، وكل عام ونحن ننهل من حب أمهاتنا قوةً تعيننا على دروب الحياة، تماماً كما نهلنا من يوم الكرامة دروس المجد والإرادة التي لا تعرف المستحيل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-03-2025 01:56 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |