22-03-2025 02:24 PM
بقلم : الدكتور المحامي ربيع العمور
21 آذار 1968، يومٌ لم يكن كسابق الأيام، بل كان فجرًا جديدًا خطّه نشامى الجيش العربي الأردني بدمائهم الطاهرة، وأثبتوا أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع بالقوة والتضحية.
بعد عامٍ واحدٍ فقط من نكسة حزيران 1967، حيث اجتاحت إسرائيل الضفة الغربية والجولان وسيناء، وبدت وكأنها قوة لا تُهزم، جاء الرد الأردني حاسمًا، ليحطم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وليعلن أن الهزيمة ليست قدرًا، بل خيارًا لمن يستسلم. في ذلك اليوم الأشم، حمل الجنود الأردنيون القليل من السلاح، والكثير من العزم، والإيمان بالله والوطن، وواجهوا أعنف غزو إسرائيلي منذ تأسيس الكيان المحتل.
الخلفية التاريخية: لماذا كانت الكرامة مستهدفة؟
بعد نكسة 1967، كان الاحتلال الإسرائيلي في أوج غروره العسكري، فبعدما سيطر على الضفة الغربية والقدس وسيناء والجولان، بدأ يتعامل مع نفسه كالقوة المطلقة في المنطقة. لكن المقاومة الفلسطينية بدأت تتصاعد من الضفة الشرقية لنهر الأردن، حيث كانت الكرامة أحد أهم معاقل الفدائيين، الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال، ما دفع إسرائيل لوضع خطة لتدمير قواعد الفدائيين ومعاقبة الأردن.
كانت إسرائيل تعتقد أن اجتياحها للكرامة سيكون مجرد نزهة عسكرية، لكنها لم تكن تعلم أن النشامى كانوا ينتظرونها بأسنانهم وأظافرهم قبل سلاحهم!
الهدف الإسرائيلي: عملية "توفل" وضمان الهيمنة
وضعت إسرائيل خطة "عملية توفل"، وكانت أهدافها:
1. تدمير قواعد الفدائيين في الكرامة لمنع أي عمليات ضد الاحتلال.
2. إلحاق هزيمة بالجيش الأردني، وإجباره على التخلي عن دعم المقاومة.
3. إرسال رسالة إلى العرب بأن إسرائيل تستطيع ضرب أي هدف متى شاءت.
4. إرهاب الفدائيين ودفعهم للهرب من الأردن.
الاستعداد الأردني: رجال لا يقبلون الهزيمة
على الجانب الآخر، كان الجيش العربي الأردني، بقيادة المشير حابس المجالي وقائد المعركة الفريق مشهور حديثة الجازي، على أهبة الاستعداد. لم يكن الأردنيون في موقع دفاعي فقط، بل كانوا مستعدين لتحويل المعركة إلى كارثة لإسرائيل.
عندما وصلت المعلومات الاستخباراتية عن الهجوم، قرر الجيش الأردني عدم التراجع، بل المواجهة المباشرة حتى آخر طلقة وآخر جندي. وكما قال الملك الحسين بن طلال رحمه الله مخاطبًا جنوده:
"اصمدوا، اصبروا، ورابطوا، اقتلوهم حيث وجدتموهم، بأسلحتكم، بأيديكم، بأظافركم، بأسنانكم."
بداية المعركة: النيران الأردنية تحرق الغزاة
1. القصف الإسرائيلي العنيف
في فجر 21 آذار 1968، بدأ الاحتلال بقصفٍ عنيفٍ على الكرامة باستخدام:
الطائرات الحربية لقصف المواقع العسكرية.
المدفعية الثقيلة لتمهيد الطريق أمام الدبابات.
وحدات المشاة والمظليين لعبور النهر والهجوم البري.
لكن ما لم تحسب إسرائيل حسابه، هو أن النشامى كانوا ينتظرون لحظة المواجهة المباشرة.
2. الرد الأردني: وابلٌ من النار
ما إن بدأت القوات الإسرائيلية بعبور النهر، حتى فتحت المدفعية الأردنية جحيمًا من القذائف، مما أدى إلى:
تدمير العشرات من الدبابات والعربات المدرعة قبل وصولها إلى البلدة.
سقوط العديد من القتلى والجرحى الإسرائيليين قبل حتى أن تبدأ المواجهة المباشرة.
3. القتال في الكرامة: مواجهة من مسافة صفر
عندما دخلت القوات الإسرائيلية إلى الكرامة، واجهت مقاومة شرسة وغير متوقعة، حيث:
خاض جنود الجيش الأردني والفدائيون قتالًا عنيفًا وجهًا لوجه.
تم تدمير الدبابات الإسرائيلية في كمائن مميتة وسط أزقة البلدة.
انهارت الخطوط الإسرائيلية تحت ضربات النشامى، الذين رفضوا الاستسلام حتى الموت.
الانسحاب الإسرائيلي: فرار تحت النيران
بعد 16 ساعة من القتال العنيف، ومع سقوط المئات من القتلى الإسرائيليين، لم يكن أمام القيادة الإسرائيلية إلا إصدار أمر بالانسحاب العاجل.
لكن المفاجأة الكبرى كانت أن الجيش الأردني لم يسمح لهم بالانسحاب بسهولة، بل لاحقهم بالمدفعية وقذائف الهاون حتى آخر لحظة، مما ضاعف الخسائر الإسرائيلية، وجعل الانسحاب أكثر إهانة من الهزيمة نفسها.
نتائج المعركة: انتصار أردني بحجم الأمة
1. خسائر الاحتلال الإسرائيلي
مقتل أكثر من 250 جنديًا، وإصابة المئات.
تدمير 88 دبابة وآلية مدرعة.
إسقاط عدة طائرات ومروحيات.
ضربة قاسية للمعنويات الإسرائيلية، بعد أن كانت تعتقد أنها لا تُهزم.
2. الخسائر الأردنية
87 شهيدًا و108 جرحى، لكنهم قدموا درسًا عسكريًا لا يُنسى.
نصر عسكري وسياسي كبير للأردن، جعل الجيش الأردني نموذجًا في الشجاعة والصمود.
3. الكرامة تتحول إلى رمز للبطولة
لم تكن الكرامة مجرد معركة، بل أصبحت ملحمة خالدة في تاريخ الأردن، حيث أثبت النشامى أن الإرادة والعقيدة القتالية أقوى من أي جيش متفوق تكنولوجيًا.
دروس الكرامة: إرادة الشعوب أقوى من الجيوش
1. الهزيمة ليست قدرًا، بل حالة مؤقتة يمكن تغييرها بالعزيمة والتخطيط.
2. المعركة الحقيقية تُحسم على الأرض، وليس بالمؤتمرات والاتفاقيات.
3. الأردن، رغم صغر حجمه، كان قادرًا على دحر أعتى جيوش المنطقة.
المجد للنشامى، والخلود للشهداء
معركة الكرامة ليست مجرد ذكرى، بل هي إرثٌ حيٌ في وجدان كل أردني، ودليلٌ على أن الأردن لم يكن يومًا بلدًا صغيرًا، بل كان دومًا كبيرًا بعزيمة رجاله.
وكما قال الفريق مشهور حديثة الجازي بعد المعركة:
"لقد قاتل الجيش والفدائيون جنبًا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار: كل البنادق ضد إسرائيل، فكانت النتيجة، والحمد لله، مشرفة."
المجد للكرامة، المجد للأردن، والمجد لجيشنا العربي الأردني، درع الأمة وسيفها الذي لا ينكسر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-03-2025 02:24 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |