23-03-2025 09:35 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تسارعت وتيرة الأحداث السياسية والدستورية في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية ابتداء من سقوط نظام الأسد وتسليم السلطة إلى الرئيس الحالي أحمد الشرع الذي عرفه العالم بخلفيته الجهادية وانتمائه لتنظيمات المعارضة المسلحة. فقد شاءت الظروف الإقليمية والدولية أن يتسيد هذا المجاهد القديم سدة الرئاسة في العاصمة دمشق، وأن يبدأ رحلة التغيير التي طالما انتظرها الشارع السوري، فنجح في الحصول على البيعة الرئاسية وأعطى لنفسه شرعية حكم انتقالية لسنوات قادمة.
ولغايات تسيير شؤون الحكم بعد إلغاء العمل بالدستور السوري لعام 2012، قرر الرئيس الشرع تشكيل لجنة من سبعة خبراء في القانون والسياسة لوضع مسودة إعلان دستوري ينظم عملية إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية، فاتجهت عيون المراقبين إلى مضمون هذا الإعلان ومدى تأثير الخلفية الإسلامية للرئيس على نصوصه وأحكامه.
إلا أن الشعور العام الذي انتاب كل من قرأ الإعلان الدستوري الجديد لعام 2025 هو الرضا والارتياح بأن الأسس والقواعد الأساسية التي قامت عليها الدولة السورية منذ نشأتها لم يجر تغييرها، وأن نظامها الدستوري لم يخضع لتغييرات جوهرية في بنيانه ودعائمه تختلف جوهريا عما كان عليه الحال قبل حِقبة الشرع.
فقد نجح الرئيس الانتقالي في أولى مناوراته السياسية بإخراج إعلان دستوري يكرس فكرة النظام الرئاسي المطلق الذي يمنح الحاكم صلاحيات واسعة على كافة سلطات الدولة، إلا أنه أبقى على «مدنية الدولة السورية» ولم ينجر وراء قيود دستورية على الحقوق والحريات الدينية والعقائدية.
فأول التساؤلات التي تواجه كتابة أي دستور وطني جديد يتمثل بتحديد مكانة الشريعة الإسلامية في الدولة وتأثيرها على التشريعات الوضعية، فكان القرار الرئاسي الحكيم بالإبقاء على الوضع السابق كما كان عليه في الدساتير السابقة التي تعاقبت على الدولة السورية منذ الخمسينيات من القرن الماضي بأن «دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، وأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع».
فهذه الثوابت الوطنية القائمة على اعتماد الفقه الإسلامي مصدرا رئيسا للتشريع في سوريا بقيت كما هي، ولم يتبن الإعلان الدستوري موقفا مشابها لدساتير عربية أخرى صدرت بعد الثورات، والتي اعتبرت مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، كما هو الحال في الدستور المصري الحالي لعام 2014.
فلجنة إعداد الإعلان الدستوري هي لجنة رئاسية بسبب طبيعة تشكيلها، وقد اختارت ألا تخرج عن المسلمات التي قامت عليها الدولة السورية منذ القِدم والتي ارتضى بها شعبها على مر السنين من خلال موافقته على الاستفتاءات التي جرى تنظيمها لإصدار الدساتير السورية السابقة.
كما نجح الرئيس الشرع في إرسال رسالة سياسية واضحة بأن مبادئه وأفكاره الجهادية القديمة قد تغيرت باستلامه رئاسة الدولة، فحرص على تضمين المادة (3) من الإعلان الدستوري التي اشترطت برئيس الدولة أن يكون مسلما وبأن للفقه دوراً رئيسياً في التشريع الوطني، رسائل إيجابية لكافة مكونات المجتمع السوري. فجاء في المادة الدستورية ذاتها النص على أن «حرية الاعتقاد مصونة، وأن الدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام، وبأن الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وف?ا للقانون».
ولم يكتف واضعو الإعلان المؤقت بهذه التطمينات الدستورية بأن سوريا برئاسة أحمد الشرع ستحرص على إدامة روح الأخوة والعيش المشترك بين كافة فئاتها ومكوناتها، فجاؤوا في المادة (7) من الإعلان بحكم دستوري يبعث بالراحة والطمأنينة مفاده أن «الدولة ملتزمة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي وحفظ السلم الأهلي ومنع أشكال الفتنة والانقسام وإثارة النعرات والتحريض على العنف».
واشتملت المادة (10) من الإعلان الدستوري السوري على ضمانات إضافية لتكريس حرية الدين والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وذلك في الحكم المتعلق بتقرير مبدأ المساواة، الذي ينص على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.
ونجحت لجنة كتابة الإعلان الدستوري في إضافة بُعد دولي للحقوق والحريات الأساسية وذلك في المادة (12) منه التي تلزم الدولة بالحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتعتبر جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءا لا يتجزأ من الإعلان الدستوري.
إن المكاسب الدستورية التي حققها الرئيس الشرع في مجال تحديد علاقة الدين بالدولة وإطلاق الحريات الدينية قد سمحت له أن يكافئ نفسه برئاسة فترة انتقالية طويلة جرى دسترتها بشكل واضح وصريح في المادة (52) الدستور التي تنص على أن «تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري، وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقا له».
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-03-2025 09:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |