بقلم : زهير الشرمان
الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل اليوم لم يعد يأتي من صواريخ غزة أو تهديدات إيران، بل من داخلها. دولة نشأت على وعد الوحدة والتماسك تواجه الآن أخطر اختبار في تاريخها انقسام داخلي حاد قد يقودها إلى حرب أهلية تهدد وجودها بالكامل إسرائيل، التي كانت تعتبر قلعة منيعة في الشرق الأوسط، أصبحت اليوم ساحة لصراع مرير وخطير بين قطبين متنافرين قطب علماني حداثي، وقطب ديني متشدد. هذا الصراع لم يعد مجرد خلاف سياسي، بل تحول إلى مواجهة وجودية قد تفجر الوضع من الداخل.

إسرائيل اليوم ليست دولة واحدة، بل كيانان متصارعان يعيشان في نفس الجغرافيا لكنهما منفصلان تماما في الرؤية والمصير. من جهة، هناك "إسرائيل تل أبيب"، التي تمثل الوجه العلماني المنفتح على العالم. هنا، يعيش الناس بقيم ليبرالية، يرفضون هيمنة الدين على السياسة، ويسعون لحماية الديمقراطية والحريات الفردية. في المقابل، هناك "إسرائيل يهودا"، حيث تسيطر الجماعات الدينية المتشددة، وتسعى بلا توقف لفرض القوانين التوراتية على المجتمع بأكمله. هذا الانقسام كان كامنا لعقود، لكنه انفجر في السنوات الأخيرة مع صعود التيارات الدينية المتطرفة، التي وجدت في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حليفا مثاليا لتحقيق أجندتها.

لا يمكن فهم هذا الانهيار الداخلي دون الحديث عن بنيامين نتنياهو، الرجل الذي حول السياسة الإسرائيلية إلى ساحة معركة داخلية من خلال تحالفه مع التيارات الدينية المتشددة وتلاعبه بالقوانين والمؤسسات الديمقراطيةمما مكنه من البقاء في كرسي السلطة، لكن الثمن كان تمزيق النسيج الاجتماعي الإسرائيلي.

المؤرخ الإسرائيلي إيلي بارنافي يرى أن استراتيجية نتنياهو تشبه إلى حد كبير سياسات دونالد ترامب في الولايات المتحدة. كلاهما يعتمد على تأجيج الخوف وخلق العداء بين مكونات المجتمع لضمان ولاء أنصاره. لكن هذه الاستراتيجية، وإن كانت تنجح على المدى القصير، فإنها تدفع إسرائيل إلى حافة الهاوية، حيث يصبح الانفجار الداخلي أمرا لا مفر منه.

ما يحدث اليوم في إسرائيل ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل بداية انهيار حقيقي. المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة احتقان غير مسبوقة، حيث ينقسم بسرعة إلى معسكرين متواجهين، كل منهما يعتبر الآخر تهديدا وجوديا. ناهيك عن أن هناك مجموعات مسلحة داخل إسرائيل قد تلجأ إلى العنف إذا شعرت أن مصالحها مهددة، مما يجعل سيناريو الحرب الأهلية أقرب مما يتخيل الكثيرون.