25-03-2025 09:32 AM
بقلم : دانا خليل الشلول
في ضوء الانتشار الواسع والاستخدام الكبير للمنصات الرقميّة في مختلف مجالات الحياة ولأغراضٍ متعددة تخدم جميع فئات المجتمع؛ من أطفال، ومراهقين، وشباب، وشيوخ، يتعرّضون لكم هائلٍ يوميّاً من المحتوى والمنشورات بمضامينٍ متنوعة حول العديد من القضايا التي يشهدها ويعيشها المجتمع، وتتضمّن نقاشات واسعة حول العديد من الأخبار والمجريات الساخنة، ورغم الإيجابيّات الكبيرة والتسهيلات الواضحة التي تقدّمها هذه المنصات لمستخدميها، إلا أنَّها باتت تُشكلّ مشكلة في هذا الانتشار والاستخدام الواسع لهذه المنصات الرقميّة في صعوبة ضبط المحتوى الموجود من خلالها لتكون بؤرة لانتشار خطاب الكراهية في المجتمع، حيث يلجا بعض مستخدميها للتعامل معها كأداة لتفريغ غضبه ومشاعره السلبية، أو رفضه للواقع، واعتراضه على ما يجري من أحداث دون مراعاة ما يتلفظ به سواء من خلال منشورات مستقلة يقوم بنشرها عبر صفحته الشخصيّة، أو من خلال طرح رأيه في التعليقات على الصفحات العامة والصفحات الإخباريّة أو حتى على حسابات الأهل والأصدقاء والمعارف؛ مما يجعل بعض هذه الآراء حافزاً لانتشار العنف والكراهية والنعرات والعنصريّة، وقد يصل الحال فيها إلى خلق فتنة مجتمعيّة كبيرة قد تزعزع السِلم والاستقرار.
وفي ذلك، بدأ القلق من تأصير خطاب الكراهية على بعض المستخدمين؛ كالأطفال والمراهقين الذين بات من الصعب عزلهم عن هذا العالم الافتراضي، خاصةً وأنهم لا زالو في مرحلة عمريّة حرجة ولا يمتلكون فيها الإدراك الكافي للحكم على الأمور واتخاذ القرارات للمواقف التي يسمعون ويقرؤون عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما يجعلهم في خطر أن يُقدموا على سلوكيات غير مدروسة قد تؤثر عليهم، أو على مستقبلهم أو صحتهم، أو أسرهم، أو مجتمعاتهم، وقد تضعهم تحت مسائلة قانونية أحياناً؛ مما دفع الكثير من المستخدمين والمتخصصين القانونيي لتأييد فرض قانون جرائم إلكترونيّة رادع وقاسٍ يحد من انتشار هذا النوع من الخطابات التي قد تؤثر على المجتمع والفئات الأقل إدراكاً فيه. فما الدوافع النفسية لمثل هذا السلوك؟ وهل يعتبر القانون الرادع حلاً فعالاً ونهائيّاً للقضاء على ظاهرة خطاب الكراهية عبر المنصات الرقمية؟ وما التبعات الناجمة عن هذا السلوك؟ وما اقتراحات المتخصصين النفسيين والقانونيين للحد من هذه الظاهرة؟
فيما يمكن البدء بالبحث في دوافع هذا السلوك من الناحية النفسية، وفي ذلك تقول الأخصائيّة النفسية الدكتورة شادية خريسات إنَّ خطاب الكراهية عبر المنصات الرقمية ليس مجرد كلمات قاسية أو هجوم لحظي أو تعبير عابر، بل هو انعكاس لحالة نفسية معقدة تمر بها بعض الفئات، فعندما يشعر الإنسان بالإحباط، أو العجز، أو النشوء في بيئة تعزز القمع، ونمط التنشئة فيها يسوده الإهمال أو التسلط، قد يبحث الأفراد عن وسيلة للتنفيس عن هذه المشاعر، وأحيانًا يكون ذلك من خلال مهاجمة الآخرين وإسقاط مشاعرهم عليهم، حيث أن جذوره ليست الإساءة للآخر بقدر ما هو محاولة غير واعية لاستعادة الشعور بالسيطرة أو التفوق أو تعويض النقص الذي يعاني منه الأفراد مع عدم وجود مصادر دعم اجتماعية واقعية وعلاقات صحية في حياتهم، والمشكلة أن هذه الطريقة في التعبير لا تحل الأمور، بل تغذي مشاعر سلبية أكبر، سواء لدى من يمارس الكراهية أو من يتعرض لها.
وتابعت الخريسات " في كثير من الأحيان، نجد أن من ينشر خطاب الكراهية عبر المنصات الرقمية يعاني من مشكلات داخلية لا يعترف بها، فيسقطها على الآخرين، فعندما يشعر الفرد بالنقص في حياته الواقعية، فإنَّه يلجأ إلى الهجوم اللفظي ليشعر بالقوة، وأحيانًا يكون ذلك مرتبطًا بالانتماء لجماعة معينة؛ حيث يجد الفرد في خطاب الكراهية وسيلة لتعزيز إحساسه بالهوية والولاء والانتماء والقبول الذي افتقده في حياته الواقعية وعندما يكون كل هذا مدعومًا ببيئة رقمية توفر له الحماية من العواقب الفورية، يصبح من السهل جدًا أن يتحول الخطاب السلبي إلى عادة يومية وسلوك مكتسب، لكن التأثير لا يتوقف عند من ينشر خطاب الكراهية، بل يمتد إلى من يتعرض لها والمجتمع ككل، حيث أنَّ من يتعرّض لهذا الخطاب قد يفقد الثقة في نفسه، وقد يعاني من القلق أو الاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن العديد من الأفراد متعددي الخصائص والكثير منهم يعانون من هشاشة نفسية وسريعي التأثر بالآخرين، خاصةً إذا كان الهجوم ممنهجًا ومتكررًا، فالبعض قد ينسحب من الحياة الاجتماعية أو يشعر بالعجز، والبعض الآخر قد يتبنى نفس أسلوب العدوان كرد فعل وذلك يعتمد على تفسير كل فرد من منظوره الشخصي للخطاب الذي تلقاه وبحسب العوامل الشخصية والاجتماعية لديه، أما على المستوى المجتمعي، فإنَّ انتشار خطاب الكراهية يخلق بيئة مليئة بالتوتر والخوف والقلق، حيث يصبح الناس أكثر ترددًا في التعبير عن آرائهم، مما يضعف الحوار الصحي ويزيد من التجمعات البشرية التي قد ينشأ فيها العنف."
وعقّبت الخريسات عن دور القانون في الحد من ظاهرة خطاب الكراهيّة عبر هذه المنصات من حيث قدرته في القضاء على الدافع النفسي لدى مرتكبيها، مشيرةً إلى أنَّ العقوبات قد تساهم في التقليل من التعبير العلني عن الكراهية، لكنها لا تعالج الأسباب العميقة والأساسية التي تدفع الناس إليها، فعندما يُمنع شخص من تفريغ غضبه بهذه الطريقة، قد يبحث عن وسيلة أخرى أكثر سرية، أو قد يتحول إلى العنف الفعلي على أرض الواقع بدلًا من الاكتفاء بالكلمات والخطابات على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي بعض الحالات فإنَّ القوانين الصارمة قد تجعل بعض الأفراد يشعرون بالقمع والمحدودية والتقييد، مما يزيد من تمسكهم بأفكارهم العدائية كرد فعل نفسي.
وبناءً على ذلك، أكدت الخريسات أنَّ الحل الحقيقي لا يكون فقط بفرض العقوبات الصارمة، بل بمعالجة المشكلة من جذورها، حيث نحتاج إلى تعليم الناس كيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية ومناسبة للفرد دون الحاق الضرر بنفسه أو بالآخرين، وتعزيز ثقافة الحوار الإيجابي، وخلق بيئة رقمية تشجع على التواصل البناء بدلًا من التحريض، وبذلك عندما يكون لدى الأفراد بدائل صحية للتعبير عن مشاعرهم، ستقل الحاجة إلى استخدام الكراهية كوسيلة للتنفيس والتفريغ الانفعالي، فالقضاء على الكراهية لا يكون بالقوة فقط، بل بالفهم والتوعية وإعادة توجيه المشاعر بطرق أكثر إيجابية
ومن جهةٍ أخرى، حذّر الخبير القانوني والأستاذ المساعد في القانون الجنائي والجرائم الإلكترونية، الدكتور أشرف الراعي، من الانتشار الكبير لجرائم الكراهية عبر المنصات الرقمية، مؤكداً أن هذه الجرائم تشكل تهديداً مباشراً للسلم المجتمعي، وتعزز الانقسامات بين الأفراد، ما يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية ونشر خطاب التطرف والعنف.
وأشار الراعي إلى أنَّ القانون الأردني يجرم خطاب الكراهية والتحريض على العنف والتمييز العنصري، حيث ينص قانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 لسنة 2023، على فرض عقوبات مشددة على كل من ينشر أو يروج لمحتوى إلكتروني يتضمن خطاب كراهية، والذي يعرفه القانون بأنه “كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو الأصل، كما يعاقب القانون بالحبس والغرامة كل من يستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل التواصل الاجتماعي لنشر مواد تثير النعرات الإقليمية أو العنصرية أو تعكر صفو السلم المجتمعي.
وأضاف الراعي إنَّ تأثير هذه الجرائم لا يقتصر على المستوى الفردي فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع ككل؛ حيث تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وتفاقم العنف اللفظي والجسدي، والتأثير السلبي على النسيج الاجتماعي، مما يستدعي اتخاذ تدابير صارمة لمكافحتها، كما أكد على ضرورة التوعية المكثفة بخطورة خطاب الكراهية عبر البرامج التثقيفية وحملات التوعية الموجهة لفئات المجتمع كافة، لا سيما فئة الشباب الذين يعدون الأكثر تفاعلاً مع المنصات الرقمية، وذلك بهدف تعزيز ثقافة التسامح واحترام التنوع.
وشدد الراعي على أهمية تضافر الجهود بين المجتمع المدني والحكومة لمواجهة هذه الآفة، مشيراً إلى أن محاربة جرائم الكراهية الرقمية تتطلب تعاوناً وثيقاً بين منصات التواصل الاجتماعي والجهات المعنية لرصد المحتوى المسيء وإزالته فوراً، إضافة إلى تتبع الحسابات التي تثير النعرات الإقليمية والعنصرية عبر المنصات الرقمية، واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المخالفين، بما يضمن بيئة إلكترونية آمنة تسهم في تعزيز الأمن المجتمعي وترسيخ قيم التسامح.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-03-2025 09:32 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |