25-03-2025 11:13 AM
بقلم : د. منذر الحوارات
تواصل إسرائيل، بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، اللعب على حافة الحرب، متذرعةً بجملة من الذرائع التي تتيح لنتنياهو تعليق وقف إطلاق النار متى شاء، هذا التوجه لا يعكس فقط رغبتة في مواصلة العدوان، بل يكشف عن مشروع سياسي داخلي وخارجي يسعى من خلاله إلى ترسيخ سلطته وتحقيق أجندات اليمين المتطرف، وسط دعم أميركي غير مسبوق.
فمنذ بدء الحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار، تهرّب نتنياهو مراراً من الانتقال إلى مرحلته الثانية، مستنداً إلى ذرائع واهية؛ تارةً باستعراضات حماس العسكرية، وأخرى برفض الحركة لمبادرات التفاوض، وحتى حالة الأسرى الصحية عند تسليمهم، وما يثبت كذب ادعاءاته واستعداده للحرب، أنه لم يُقدم على ملء الشواغر الوزارية الناتجة عن استقالة حزب “القوة اليهودية” وزعيمه المتطرف إيتمار بن غفير، الذي اشترط العودة للحكومة باستئناف الحرب، هذا التلاعب السياسي يخدم الطرفين: بن غفير الذي يسعى لحسم الصراع عبر تهجير الفلسطينيين، ونتنياهو الذي سيتمكن من خوض معركة الموازنة وتجنب انهيار حكومته.
على الجانب الآخر، تبدو حماس وكأنها بالغت في تقدير ورقة الرهائن، ما أدى إلى ترددها في إتمام اتفاق تبادل نهائي، خاصة في ظل رفضها تسليم الأسير الأميركي “عيدان ألكسندر” وأربع جثث، حسب طلب مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، إذ يرى تيار داخل حماس أن تسليم الأسير والجثث دون مقابل كبير ــ كوقف دائم لإطلاق النار أو الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين ــ قد يُفسر كتنازل أو خسارة استراتيجية، خاصة أن واشنطن لم تُظهر استعداداً لتقديم مقابل حقيقي، فاختارت الحركة التريث استناداً لتجاربها السابقة مع الإدارة الأميركية وترامب تحديداً، وقد اعتُبر هذا الرفض خسارة سياسية مزدوجة، إذ أغلق باب تفاوض حقيقي مع واشنطن، وأعطى نتنياهو ذريعة إضافية لتصوير حماس كطرف متعنت يعرقل الحلول.
استثمر نتنياهو هذا التردد، وعاد إلى التصعيد، مستنداً إلى دعم أميركي مطلق، ومستفيداً من استرجاع حليفه بن غفير إلى الائتلاف، في الوقت نفسه، شرع في تصفية حسابات داخلية مع كبار المسؤولين الأمنيين، من مدير “الشاباك” رونين بار وقبله قائد الجيش هرتسي هليفي، في خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة الدولة العميقة باتجاه “التميين” (تمكين التيار اليميني المتطرف)، كما سبق أن تم الحديث عنه في مقال سابق لي نُشر في 20 آذار 2023 بعنوان “انقلاب في إسرائيل”.
العدوان على غزة تحوّل إلى شريان حياة سياسي وإستراتيجي لنتنياهو، فهو لا يكتفي بتحقيق مكاسب على الأرض، بل يسعى إلى فرض وقائع جديدة تقود إلى تنفيذ خطة “الحسم” التي يتبناها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والهادفة إلى تهجير الفلسطينيين بشكل ممنهج، ومع سقوط نظام الأسد وإضعاف حزب الله، باتت إسرائيل ترى في سورية بيئة فوضوية مناسبة تحاول إطالة أمدها ومنع استقرارها بغية تنفيذ تهجير جماعي للفلسطينيين إليها.
وفي المحور المقابل، لم يبقَ فاعلٌ مؤثرٌ سوى إيران وحليفها الحوثي، فقد بدأت الإدارة الأميركية بتوجيه ضربات مباشرة للحوثيين، بالتزامن مع رسالة من الرئيس ترامب للمرشد الإيراني علي خامنئي، تتضمن مهلة شهرين للوصول إلى اتفاق نووي جديد، أو مواجهة احتمالية الحرب، وهو ما يضع إيران أمام ثلاثة خيارات أحلاها مر: القبول بشروط ترامب المذلة كما قال المرشد، أو محاولة تصنيع قنبلة نووية خلال المهلة كوسيلة للردع، بالذات بعد تراجع أدوات إيران الخارجية، أو خوض مواجهة عسكرية شاملة وهو ما لا تريده القيادة الإيرانية أبداً، لكن التجارب السابقة في المواجهات الأميركية الإيرانية تثبت أنهم قادرون على ابتداع خيار بين الخيارات لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة والخروج بأقل قدر من الخسائر.
نتنياهو، إذاً- إن نجح- على مشارف استكمال مشاريعه الثلاثة: الفلسطيني، والإسرائيلي، والإقليمي، وهو لا يتردد في عرقلة أي مبادرة عربية لإعمار غزة، في ظل غطاء أميركي سياسي وعسكري مكشوف، ما يجري ليس فقط تصفية لملف القضية الفلسطينية، بل غربلة شاملة للمشهد الإقليمي، وإذا لم تتوقف هذه الديناميكية، فإن القادم قد يكون بمثابة تسونامي سياسي وعسكري يقتلع توازنات المنطقة الهشة من جذورها، ويحيلها إذا لم تصحُ دول المنطقة من غفوتها إلى أداة في يد إسرائيل، وتصبح بالتالي أسيرة ابتزازين، أميركي وإسرائيلي في آنٍ معاً.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-03-2025 11:13 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |