25-03-2025 11:15 AM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
أن تكون أردنيًا يعني أن تتمثّل صورة الملك العربي حارثة الأول، ملك الأنباطِ وهو يستنهض العزائم حين كان يجوب وجنوده الصخر بالواد، ليجعل من الصخر آيةً وخزنةً شاهقة، شاهدةً على تحدّي أن يأتيَ أحدٌ بمثلها إلى يوم القيامة.
أن تكون أردنيًا يعني أن تشرب من نهر الأردن المقدّس، وأن تقف على ضفّتيهِ ناظرًا إلى المسيح وهو يتعمّد فيه كلما مررت بالنهر، أو اقتربت منه جِثِيّا، أو أن تسمع صوت العذراءِ مريم ابنة عمران وهي تقولُ لقومها "إنّي نذرتُ للرحمنِ صومًا فلن أكلّم اليومَ إنسيّا".
أن تكون أردنيًا يعني أن تردّد مع إريبيوس وأنت تقف في جدارا أم قيس تتأمل طبريا وبحيرتها المسلوبة (أيها المارُّ من هنا، كما أنت الآن كنت أنا، وكما أنا الآن ستكون أنت ..)، وأن ترفع رأسك مكلّلًا بالغارِ وأنت تمرّ من تحت قوس هدريان "بوابة النصر" في جراسيا جرش كأنّك هو، أو كأنّه أنت.
أن تكون أردنيًا يعني أنّك وقفت على باب الكهفِ في الرقيم، ودعوت ربك من جانب الفتية الذين آووا إليه، ولبثوا فيه مع كلبهم ثلاثمئةٍ سنين وازدادوا تسعا، وأن تكون أردنيًا يعني أنّك تعرف أنّ كنيسة العقبة المبنية في العام (293) ميلادية واحدة من أقدم كنائس الأرض كلها، فتقول مع المؤمنين "طوبى للوُدعاء لأنّهم يرثون الأرض، طوبى للجياع والعِطاش إلى البِرّ".
أن تكون أردنيًا يعني أن تسمع صليل السيوفِ وصدى صهيل الخيول في مؤتةَ واليرموك وهي تمرُّ مرّ السحاب، تاركةً مقامات الصحابة شاهدةً على الأرض المقدّسة المباركة، وحين تُرجِعُ البصر كرّتين ترتدُّ إليك ملامح وجه هرقل الحزينة وهو يغادرها قائلًا (وداعًا يا بلاد الشام، وداعًا لا لقاء بعده).
أن تكون أردنيًا يعني أنّك شممت رائحة الأمويين في قصر الحرّانة، واستنشقت عطر صلاح الدين في القلعة الرابضة في أعلى سفح جبل عجلون وهو ينظر إلى قبّة الصخرة مقسمًا على تحريرها ولو كان الثمن رأسه، بعد أن قطع دابر الخيانة في قلعة الكرك الصامدة شامةً في وجه الزمان.
أن تكون أردنيًا يعني أنّ واحدًا من أجدادك على الأقل كان جنديًا في جيش الخليفة العثماني، ولمّا رفض الظلم والجور انتفض والتحق بالحسين بن علي في ثورته الكبرى ضدّ الاستعباد ممن يتشارك معهم الدين.
أن تكون أردنيًا يعني أن تعي أنّ إربد وجرش وعجلون في الأردن، كانت في زمنٍ ما تتبع إداريًا إلى قائم مقام نابلس في فلسطين باعتبارها بقعةً جغرافيّةً واحدة، وأن تعرف أنّ أول دمٍ أردنيٍّ سال على تراب فلسطين كان للشيخٍ كايد عبيدات الذي ترك جاهه ووجاهته كرمى لعيني فلسطين، وأن تكون أردنيًا يعني أنّ تعلم أنّ مؤتمر أم قيس الذي جرى في العام 1920 بحضور رجالات الأردنّ نادى بأن يتولى الحكم فيها أميرٌ عربيٌ هاشمي، فكانت إمارة شرق الأردن، ثمّ المملكة الأردنية الهاشمية.
أن تكون أردنيًا يعني أن تعرف أنّ الجيش العربي الأردني استبسل في الدفاع عن فلسطين في كلّ حروبها، وأنّ بطولات رجاله سطّرها التاريخ بالدم والدموع، لتظلّ شاهدةً على أنّ الدم واحد، والجغرافيا واحدة، وأن تكون أردنيًا يعني أنّ لعائلتك وعشيرتك صلات قربى ودمٍ، وأبناء أخٍ وعمٍّ، مع ذات العائلات التي تعيش في فلسطين من الجليل إلى النقب.
أن تكون أردنيًا يعني أنّ ما يؤلم العربي يؤلمك، وما يجرح العربي يجرحك، وما يمسُّ أي دولةٍ عربيةٍ يمسّك، وأن تكون أردنيًا يعني أنّ فلسطين فلسطينك، وأنّ هواءها هواءك، وأنّ غُصّتها تقع في قلبك قبل أن تقع في حلقها.
أن تكون أردنيًا يعني أن تحبُّ جيشك لأنّ جيشك لك لا عليك، هل رأيت شعبًا في غير الأردنّ يحبُّ جيشه!!، أن تكون أردنيًا يعني أنّك فلّاح بدويّ مدنيّ، جذورك شركسية فلسطينية أردنية، وفروعك تحت ظلّ العلم سواسية كأسنان المشط لا ترى فيها عِوجًا ولا أمتا، أن تكون أردنيًا يعني أنّ لديك ملكًا يحبه شعبه وجيشه لأنّه أوّل جنود شعبه وجيشه، لا اختلاف عليه ولا خلاف.
أن تكون أردنيًا يعني أنّك لا ترضى حتى للهواء أن يمسّ علمك الأردني بسوء، وأن تكون أردنيًا يعني أنّك لا تقبل لغير علمك أن يرتفع فوق رأسك أبدا.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-03-2025 11:15 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |