25-03-2025 11:07 PM
سرايا - - تؤكد القاصة هدى الأحمد، في مجموعتها القصصية "أسرار خزنة: حكايات امرأة من البادية"، أن القصة القصيرة تعد من أبرز أشكال الأدب التي تعكس صورة المجتمع وتعبر عن هموم الأفراد وأحلامهم.
تقدم في هذه المجموعة نموذجًا فنيًا مميزًا من قصص التراث الشعبي. بمزيج من السلاسة اللغوية والإبداع القصصي، تأخذنا الأحمد في رحلة عبر حياة فتاة بدوية نشأت بين البادية والحضر، لتظهر لنا الموروثات الثقافية والتقاليد التي تشكل هويتها وتفاصيل حياتها اليومية.
ويذكر أن هذه المجموعة التي صدرت عن جفرا ناشرون وموزعون، بدعم من وزارة الثقافة، تأتي في وقت يشهد فيه الأدب العربي تطورًا واضحًا في مجالات الرواية والقصة الطويلة، مما يبرز أهمية هذا العمل الأدبي في الحفاظ على التراث القصصي والاهتمام بالقضايا التي تتعلق بالمرأة البدوية وصراعها بين العادات والتقاليد ورغبتها في التحرر.
تعد "أسرار خزنة" نافذة تطل منها الأحمد على حياة البادية بكل ما تحمله من معاناة وتحديات، مسلطة الضوء على الجوانب الإنسانية التي تتمتع بها شخصياتها، مما يجعل هذه المجموعة القصصية تجربة أدبية فريدة تستحق التأمل.
كتب جروان المعاني "تلويحة" للمجموعة، يبين فيها أن القصة التراثية تعيش حالة من الركود، ويتدخل في ذلك عدد من المعطيات؛ أبرزها طغيان حضور الرواية التي تشهد عصرًا ذهبيًا، فيما تكاد القصة التي تتناول التراث الشعبي تختفي من الساحتين الأدبيتين الأردنية والعربية. من هنا تأتي أهمية هذه المجموعة للقاصة هدى الأحمد، واللافت للنظر سلاستها في اللغة والتشويق الذي يسكن عمق قصصها.
ويرى المعاني أن مجموعة "أسرار خزنة" هي حكاية فتاة من البادية، ذكاؤها فطري وهي وحيدة والديها، فتعيش دلالًا، لكنه ليس كدلال بنات المدينة. فهي ترعى أغنام والدها وتحلب وتساعد والدتها في عمل البيت وإنتاج مشتقات الحليب، بينما يعمل والدها دواجا يبيع ويشتري متنقلاً بين القرى والبوادي. ويشير إلى أن "الخزنة" هنا هي قصة كل نساء البادية، حيث العادات والتقاليد وثقافة المجتمع السائدة، فتظهر في هذه المجموعة القصصية وكأنها متمردة، لكنها في الواقع فتاة تحمل شقاوة الطفولة حتى تصدمها الحياة بوفاة والدتها، ملاذها ومكمن طمأنينتها. وتكبر هذه الفتاة، وتكبر معها همومها.
ثم يتحدث المعاني عن صعوبة العيش في البادية والترحال المستمر بحثًا عن الماء والكلأ، قائلًا: "حتى وقت قريب، كانت قضية توطين البدو الشغل الشاغل لدول المنطقة، ومنها الأردن. وقد تحول أهل البادية إلى حضر مستقرين، وأخذت حكاياتهم تختلف باختلاف نمط الحياة، وهذا يعطي لهذه المجموعة أهمية خاصة". موضحًا أن الحنين إلى الماضي يشكل لوحة تذكارية في أعماق كل فرد منا، فكم جلسنا إلى أمهاتنا وجداتنا نستمع إلى قصص الصراع على البقاء في بوادينا، ودخول الخرافة في كثير من حكاياتنا. وقد نجحت القاصة في إدخالنا إلى تلك العوالم الغرائبية التي تكاد تكون أشبه بالأساطير.
وخلص المعاني إلى أن هدى الأحمد تجد نفسها بين إرادة الكاتبة وإرادة "خزنة" (بطلة المجموعة)، محاصرة بما تحمله من موروثات تقيد المرأة البدوية، التي تكاد أن تتخلص منها بحدها الأدنى لتعيش حريتها؛ حيث تعد هذه المجموعة القصصية آخر متنفس لفتاة عاشت بين البداوة والحضر، وكأن هدى الأحمد كتبت نفسها.
في واحدة من هذه القصص، قصة الفتاة "خزنة"، التي تميزت بشجاعتها وحبها للمغامرة، فتجسد لنا الروح الحرة التي لا تقيدها حدود ولا ظروف. في هذه القصة، نعيش مع خزنة في البادية، حيث تربطها علاقة خاصة بكلبها الذي كان أكثر من مجرد حارس للغنم، بل كان صديقًا وفيًا وأملاً في أوقات الشدة. من خلال مغامراتها الصغيرة وتحدياتها اليومية، تكشف لنا خزنة معنى الصداقة، الفقدان، والتعافي من الخسارات.
كانت خزنة أول من يستيقظ مع شقشقة نور الشمس، تطارد النور والفراشات على أطراف البادية حيث نصب أبوها خيمته. كانت تقفز كأنها تخشى أن يفوتها الصباح، أو ألا تلحق بخروج الشمس من كم الجبل.
أحيانًا، تجلس على طرف الخيمة، تنبه أمها بأن الفجر اقترب. تحمل عصاها وتنطلق مع شلية غنم صغيرة، تحاول أن تضبط خطواتها مع إيقاع حركة الغنم، أما كلبها فكان يركض بجانبها كجندي في معركة.
كان أبوها يقول: "هاي البنت مش بنت عيشة"، تجنب شليتها الوعر، تبعدها باتجاه أماكن السهل، لا تخش أن تمر بجانب واد سحيق.
كلبها الذي تلاعبه كان صديقها الذي أنقذها مرات عديدة؛ مرة من السيل، ومرة من كلب ضخم هاجمها، ومرة أخرى كان يسبقها أو يرمي بقطعة خشب فيأتي بها، أو نبح أمام أفعى لتتجنبها. بينهما رباط من الصداقة لم تنطق به خزنة يومًا، لكنه كان يمثل الأمان بالنسبة لها.
خزنة كانت تحب استكشاف الأماكن الجديدة. كانت تجتاز السياج الغربي، تقترب من مغارة أو تمر بجانب أرض وعرة، روحها حرة وطليقة، بشعرها المجدول وثوبها المزموم حول خصرها، وعصاها التي تتكئ عليها.
وهي تشبه الريح التي تسابقها، كأنها تريد أن ترتشف الحياة حتى آخر قطرة.
كثيرًا ما تتحدث نساء العشيرة عنها، ويصفنها بأنها بنت قوية لا يمكن أن تخشاها، وضحكتها جميلة، وحين تنضج سيتسابق شباب العشيرة للزواج منها. لكنها لم تكن تحب اللعب مع فتيات العشيرة، بل كانت تفضل اللعب مع كلبها الذي كان يحرسهم ويبعد أي خطر عنهم من لصوص أو ذئاب، وهي عادة البدو، حيث يربون كلابًا لحراسة. لم يكن معتادا أن يصادق الراعي كلبه، إلا أن خزنة أحبت هذا الكلب منذ أن كان صغيرا.
في ليلة غاب فيها البدر وكان الجو باردًا، سكنه الصمت المطبق، حيث في البرد تتجمع العائلات حول النار للتدفئة، لكن الكلب كان كثير الحركة. حاول الاقتراب منها، لكنها نهرته.
في صباح اليوم التالي، استيقظت خزنة كعادتها، لكن كلبها لم يستيقظ كلبها. حاولت إيقاظه، حركته، لكنه ظل صامتًا. لم يكن الجو باردًا بما يكفي ليموت في الليل، لكنه كان بلا حراك.
صرخت بصوت عالٍ:
"يا بوي، يا بوي، الحقني!"
"ما بكِ يا خزنة؟"
"الكلب، الكلب، الكلب!"
نظر أبوها إلى حيث تجمع الأغنام.
كان الكلب يصارع للبقاء. لم تنتبه خزنة إلى نزيفه لأن الشمس لم تكن قد أشرقت بعد.
مات الكلب وهو يقاتل الذئاب التي حاولت أن تختطف الأغنام.
حزنت خزنة كثيرًا. لم تعد تستيقظ باكرًا، كأنها أصبحت تخشى أن تصحو على خيبة جديدة أو موت صديق. أخذت خزنة تذبل كسيل غلبته شمس الصيف الحارقة، حتى جاء أبوها ذات يوم، أخذها بين ذراعيه وقال لها: "يا أبوي، ما يصير نموت بعد خويانا، ودك تعيشي؟".
كان أبوها يحبها جدًا ويعرف تعلقها بكلبها، لذا كان يجفف دموعها ثم جاء لها بكلب صغير جديد.
في اليوم الأول، اقترب منها الكلب الجديد، فهشّت بيدها نحوه، ونهرته حتى أنه خاف منها. لم تستطع أن تنظر إليه، فهي لم تنس كلبها القديم بعد.
في اليوم التالي، تركته أمها من دون طعام. وعندما تقدمت لتأكله، كان ينبح نباحًا شديدًا. قالت لها أمها: "أطعميه".
لم ترغب خزنة في فعل ذلك، وقالت في نفسها: "لن أقترب منه، سيموت".
في اليوم الثالث، كان يلهث فناولته الماء. لعق يديها، وبدأت تعطف عليه. وما هي إلا أيام قليلة حتى نشأت صداقة جديدة. عادت خزنة إلى طبيعتها، لكنها تعلمت أن كل الخسارات قابلة للتعويض، ولكن ليس للاستبدال.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-03-2025 11:07 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
![]() |
رمز التحقق : |
أكتب الرمز :
|