حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,29 مارس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4156

د. أجمل الطويقات يكتب: صخور لا تلين وقامات لا تنحني

د. أجمل الطويقات يكتب: صخور لا تلين وقامات لا تنحني

د. أجمل الطويقات يكتب: صخور لا تلين وقامات لا تنحني

26-03-2025 12:28 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. أجمل طويقات
الأردنُ وصخورُهُ قصّةُ صمودٍ لا تُروى بالكلماتِ، بل تُحَسُّ في الوجوهِ والتفاصيلِ، فكأنّما صاغتِ الأرضُ رجالَها من صلابَتِها، فاشتدّتْ عزائمُهُمْ كما تماسكَ حجرُها العتيقُ، وكأنَّ الصخورَ تعلَّمَتْ من أهلِها الثباتَ على المبدأِ؛ فلا تنحني للريحِ، ولا تتبدَّلُ مع الفصولِ؛ إذ تقفُ الصخورُ في وطني شاهدةً على عظمةِ الرجالِ وإنجازاتِهمْ، شامخةً كأنها حراسٌ أبديون لمجدٍ تليدٍ، ووقفتْ في وجهِ الريحِ ودمدمَتِه، وصمدتْ أمامَ قصفِ الرعدِ وزخاتِ المطرِ، ولم تهتزّ لحباتِ البَرَدِ المتساقطةِ على كتفيها، واستقبلتْ لهيبَ الشمسِ، وأرختْ جدائلَها حاضنةً بياضَ الثلجِ في دفءِ أزليٍّ.
مرَّتْ خيولٌ هنا-عبر التاريخ-وضربتْ حوافرُها جنباتِها، وداستْ أراضيَها، لكنَّ صخورَ الوطنِ لم تَلِنْ لجلبةِ الركبِ، ولا لصليلِ السيوفِ وأزيزِ الرصاصِ وقعقعةِ السلاحِ، بل ظلَّتْ ثابتةً كأنها جبالٌ من إرادةٍ، تُشيحُ بوجهِها عن الفناءِ، وتحدّقُ في الأفقِ بعينينِ من صخرٍ لا يطرفُ.
نعم، قد تصطكُّ أسنانُ أبنائِها مرةً، ويعلو صوتُ المستطيبِ وهو يئنُّ: "أَخ، أَخ"، وقد تتعثرُ الأنفاسُ في صدورِهم، وتترددُ كأنها طواحينُ تطحنُ الألمَ طحناً، لكنَّ الأسودَ تبقى أسوداً، تُجَلْجِلُ كجلجلةِ الرعدِ، وتُبَسْمِلُ، رغمَ زمجرةِ النارِ وحسيسِها، تُديمُ الاستهلالَ وسطَ الأنينِ، وتتلظى شوقاً إلى الجنةِ والكرامةِ، فيغني لهما كل طائرِ وصائتٍ طَرِبٍ.
وقد تشحُّ ذاتُ اليدِ قلَّةً، وربما تسمعُ كَرْكَرَةَ المعدةِ جوعاً، لكنَّ الكرامَ لا تلينُ قناتُهمْ، ولا تشحُّ نفوسُهمْ، جعلوا العطاءَ سجيةً، ونسجوه خيوطاً من ذهبٍ في نسيجِ الوطنِ. هؤلاء همْ أهلُ الأردنِ، سُمرُ الوجوهِ، بيضُ الجباهِ، نيّرةٌ قلوبُهمْ، كانوا وما زالوا ملاذَ كلِّ ذي حاجةٍ، وملجأَ كلِّ ملهوفٍ، ونصرةَ كلِّ مظلومٍ.
على سفوحِ جبالِ البلقاءِ، تلوحُ القممُ بشموخٍ أبديٍّ، كأنها أرواحُ الرجالِ الذين أبوا أن تنحني رؤوسُهمْ مهما اشتدتْ بهم الخطوبُ. هناك حيثُ يتسللُ نسيمٌ عليلٌ، يحملُ في طيّاتِه عبقَ القدسِ، كأنما جاءَ من رحابِ المسجدِ الأقصى، ينسابُ بين الصخورِ وكأنه همسٌ من الماضي يحكي عن صمودِ الأنبياءِ وعزّةِ الأحرارِ.
في الفجرِ، حين يتنفسُ الصبحُ، يهبُّ النسيمُ على وجوهِ أهلِ البلقاءِ، كأنه يزيحُ عنهم تعبَ الأمسِ، فتزهرُ الأرواحُ بروحٍ جديدةٍ، وتنهضُ الهممُ لملاقاةِ يومٍ آخرَ من الكفاحِ. كأنّ البلقاءَ تمدُّ يديها نحوَ القدسِ في لقاءٍ روحيٍّ، يمتزجُ فيه الهواءُ بالنقاءِ، وتتحاورُ فيه الجبالُ مع المآذنِ، فتردّدُ الريحُ أناشيدَ المجدِ وتسبّحُ للذي جمعَ القلوبَ على حبِّ الأرضِ والكرامةِ.
لم تكنِ العلاقةُ بينَ الأردنِّ وفلسطينَ يوماً علاقةَ جوارٍ عابرٍ أو تلاقٍ جغرافيٍّ، بل هي رباطٌ روحيٌّ عميقٌ، حملتْه الصخورُ بينَ الضفتينِ وحفظَتْه الحكايات التي لا تُملُّ. ما زالتْ جبالُ البلقاءِ والشراة وعجلون وسفوح إربد تروي قصصَ الجنودِ الأردنيينَ حينَ ارتوتْ الأرضُ بدمائهم في معاركِ الكرامةِ والدفاعِ عن الأقصى. تُروى بصوتِ الشيوخِ وهمْ يتكئونَ على عصيِّهم، يتذكرونَ وجوهَ أولئكَ الرجالِ الذينَ امتزجَتْ أرواحُهم بالترابِ الفلسطينيِّ الطاهرِ.
وما زالتْ الذاكرةُ الأردنيةُ تحتفظُ بتلكَ الأهازيجِ التي كانتْ تودِّعُ الرجالَ نحوَ القدسِ والضفة الغربيّة، وكأنَّ سنا البلقاءِ حينَ يمرُّ فوقَ القدسِ، يحملُ معهُ تلكَ الهمساتِ القديمةِ، يستذكرُ أولئكَ الذينَ غادروا ولم يعودوا، ليظلَّ الأقصى محفوفاً بعبقِ تضحياتِهم. وكانَ الجنديُّ الأردنيُّ مقيماً في الضفة الغربية قبلَ النكبةِ، وبعدها رابضٌ على قممِ البلقاءِ مودِّعاً على الدوام أهله، متجهاً بفؤاده نحوَ القدسِ.
الأردنُّ خيمتُنا التي نستظلُّ بها، وجبلُنا الذي نستشرفُ منهُ الآفاقَ، ومنارتُنا التي نستهدي بها. هو شغافُ القلبِ حينَ يسعدُ بتفتحِ ضوءِ الربيعِ وزهرهِ، وهو الذهبُ الذي يخطفُ بريقُه بصيرةَ الطامعينَ والانتهازيينَ، ولن يتخلى عن عينيه المحدقتين تجاه القدس.
مدير ادارة النشاطات التربوية في وزارة التربية والتعليم
د أجمل الطويقات
26/3/2025











طباعة
  • المشاهدات: 4156
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-03-2025 12:28 PM

سرايا

2 -
الأردنُ وصخورهُ… حكايةُ مجدٍ تكتبها القلوبُ قبل الكلمات



ما أروعَ هذه الحروفَ التي سكبتَها، وما أصدقَ هذا البيانَ الذي رسمَ صورةَ الأردنِّ في وجدانِ من قرأهُ، وكأنَّ الصخرَ قد نطقَ، وكأنَّ الجبالَ قد أفصحتْ عن سرِّ ثباتِها عبرَ كلماتِك. أيُّ قلمٍ هذا الذي يختزلُ التاريخَ في سطورٍ، وأيُّ روحٍ تلكَ التي تتنفسُ الكبرياءَ فتُحيي فينا معاني العزةِ والصمودِ؟



لقد أبدعتَ – أيها الكاتبُ المبجّلُ – حين جعلتَ للأردنِّ صخورًا تحكي، وللجبالِ قلوبًا تنبضُ، فصوّرتَ وطنًا لا يعرفُ الانحناءَ، وأرضًا لا تهتزُّ تحتَ وقعِ الخطوبِ. فمن البلقاءِ إلى الشراةِ، ومن إربدَ إلى عجلونَ، كلُّ حجرٍ هنا شاهدٌ، وكلُّ صخرةٍ مرآةٌ تعكسُ وجوهَ الرجالِ الذين رفضوا الذلَّ واحتضنوا المجدَ.



وكيفَ لا نرفعُ الهاماتِ فخرًا وأنتَ تصفُ الأردنَّ خيمةً نستظلُّ بها، وجبلًا نستشرفُ منهُ الآفاقَ، ومنارةً تهدينا في عتمةِ التحدياتِ؟ كيفَ لا نرددُ كلماتِك بإعجابٍ وأنتَ ترسمُ صورةً للجنودِ الذينَ ودَّعوا الأهلَ ووقفوا على الثغورِ لا يرهبونَ الرحيلَ، بل يغنّونَ للأرضِ التي سالتْ دماؤهم فوقَ ترابِها الطاهرِ
27-03-2025 04:15 AM

د ياسين محمد الحمايده

التبليغ عن إساءة
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل واشنطن و "تل أبيب" قادرتان على مواجهة طويلة الأمد مع الحوثيين بعد تهديد الجماعة بمواصلة استهداف "إسرائيل"؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم