26-03-2025 12:50 PM
بقلم : الدكتور المحامي ربيع العمور
تأجير الأرحام في ضوء المادة (13) من قانون المسؤولية الطبية والصحية: بين الضرورة والمحظور
في ظل التطور الطبي الهائل، أصبح حلم الإنجاب متاحًا لعدد كبير من الأزواج الذين يعانون من مشكلات طبية تعيق قدرتهم على الإنجاب الطبيعي. ومن بين التقنيات التي أثارت جدلًا أخلاقيًا وقانونيًا واسعًا "تأجير الأرحام"، وهو الإجراء الذي تلجأ إليه بعض الأسر التي لا تستطيع الحمل بشكل طبيعي، فتلجأ إلى امرأة أخرى لتحمل الجنين في رحمها.
غير أن المادة (13) من قانون المسؤولية الطبية والصحية جاءت بموقف صارم تجاه هذه المسألة، حيث نصت على أنه "لا يجوز إجراء التقنية المساعدة على الإنجاب للمرأة أو زرع جنين في رحمها إلا من الزوج وبناءً على موافقتهما على ذلك خطيًا."
فهل يتماشى هذا النص مع المتغيرات الطبية والاجتماعية؟ وهل يمكن للمشرّع أن يعيد النظر في موقفه من تأجير الأرحام؟ أم أن هذا المنع المطلق ضرورة لا يمكن تجاوزها لحماية المجتمع والأسرة؟
أولًا: مفهوم تأجير الأرحام وأنواعه
يشير مصطلح "تأجير الأرحام" إلى حمل امرأة (الأم البديلة) لجنين ليس ناتجًا عن بويضتها، وإنما يكون مخصبًا من بويضة امرأة أخرى وحيوان منوي من زوجها، ويتم زرعه في رحمها من خلال تقنيات التلقيح الصناعي. وينقسم إلى نوعين:
1. تأجير أرحام جزئي: حيث يتم تخصيب بويضة المرأة الحاضنة بحيوان منوي من الزوج، مما يجعلها الأم البيولوجية للطفل، ولكنها لا تكون الأم القانونية.
2. تأجير أرحام كلي: حيث يتم تخصيب بويضة الزوجة بحيوان الزوج المنوي، ثم زرع الجنين في رحم امرأة أخرى، مما يجعلها مجرد حاضنة دون أن يكون لها ارتباط بيولوجي بالطفل.
ثانيًا: الموقف القانوني لتأجير الأرحام في ضوء المادة (13)
عند تحليل المادة (13) من قانون المسؤولية الطبية والصحية، نجد أنها تضع قيودًا صارمة على استخدام تقنيات الإنجاب المساعدة، حيث تشترط ما يلي:
اقتصار العملية على الزوجين الشرعيين فقط، مما يمنع إدخال طرف ثالث (كالأم البديلة).
اشتراط موافقة الزوجين الخطية، لضمان عدم إجراء أي عمليات دون علمهما أو رضاهما.
حظر زرع جنين في رحم امرأة إلا إذا كان ناتجًا عن الزوج والزوجة، وهو ما يغلق الباب أمام أي شكل من أشكال تأجير الأرحام.
وعليه، فإن تأجير الأرحام ممنوع قانونيًا وفق هذا النص، سواء كان مقابل أجر أو حتى دون مقابل، حيث يعتبر ذلك خروجًا عن الإطار الشرعي للأسرة، ويفتح الباب أمام نزاعات قانونية وأخلاقية معقدة.
ثالثًا: المبررات القانونية والأخلاقية لحظر تأجير الأرحام
1. حماية النسب ومنع اختلاط الأنساب
تأجير الأرحام يخلق إشكالات خطيرة في تحديد النسب، فقد تدعي الأم البديلة حقها في الطفل، أو قد يُطالب الزوج بحرمانها من أي حقوق، مما يؤدي إلى صراعات قانونية قد تعصف باستقرار الأسرة والمجتمع.
2. منع استغلال النساء والفقر التجاري للأرحام
في بعض الدول التي تجيز تأجير الأرحام، أصبح الأمر أشبه بـ"تجارة الأرحام"، حيث تلجأ النساء الفقيرات إلى تأجير أرحامهن مقابل المال، مما يحول الأمومة إلى سلعة تجارية، وينتهك كرامة المرأة.
3. تجنب الأزمات النفسية والاجتماعية
التجربة النفسية للأم البديلة قد تكون قاسية، حيث تحمل جنينًا في رحمها لمدة تسعة أشهر ثم تضطر للتخلي عنه، مما قد يسبب لها صدمة عاطفية ويؤثر على صحتها النفسية.
4. التناقض مع مقاصد التشريع في حماية الأسرة
التشريعات العربية عمومًا تهدف إلى حماية الأسرة كوحدة اجتماعية مقدسة، ولا يجوز تقويض مفهوم الأمومة بممارسات قد تؤدي إلى اضطرابات في العلاقات الأسرية.
رابعًا: الاتجاهات القانونية حول تأجير الأرحام
رغم المنع الصريح الذي أقرته المادة (13)، إلا أن هناك اتجاهات قانونية دولية تتبنى مواقف متباينة تجاه تأجير الأرحام:
1. الاتجاه المانع تمامًا
تتبنى معظم الدول العربية والإسلامية موقفًا صارمًا بمنع تأجير الأرحام، مستندةً إلى القواعد الشرعية التي ترى أن الحمل يجب أن يكون للزوجة فقط، وأن أي تدخل لطرف ثالث يعد انتهاكًا شرعيًا وأخلاقيًا.
2. الاتجاه المجيز وفق ضوابط صارمة
في بعض الدول مثل الهند وكندا، يُسمح بتأجير الأرحام ولكن وفق ضوابط قانونية صارمة، منها:
أن يكون التأجير دون مقابل مادي (باستثناء النفقات الطبية).
أن يتم تحت إشراف محكمة مختصة.
وضع قوانين واضحة لحسم أي نزاع حول النسب أو الحقوق.
3. الاتجاه التجاري لتأجير الأرحام
في بعض الدول الغربية، تحول تأجير الأرحام إلى صناعة تجارية، حيث تدفع بعض الشركات مبالغ ضخمة للنساء لحمل الأطفال لصالح أزواج غير قادرين على الإنجاب، مما يثير انتقادات واسعة بشأن استغلال الفقر وتحويل الجسد البشري إلى وسيلة للربح.
خامسًا: هل يجب إعادة النظر في المادة (13)؟
في ظل التطورات الطبية والاجتماعية، يثار تساؤل جوهري: هل يجب تعديل المادة (13) لتسمح بتأجير الأرحام وفق ضوابط معينة، أم أن الإبقاء على المنع المطلق هو الخيار الأفضل؟
الاتجاه الأول: ضرورة الإبقاء على المنع
يرى أنصار هذا الاتجاه أن فتح الباب أمام تأجير الأرحام، حتى ولو بضوابط، قد يؤدي إلى نتائج كارثية، مثل النزاعات القانونية حول النسب، واستغلال النساء الفقيرات، وخلق مشكلات نفسية وأخلاقية معقدة.
الاتجاه الثاني: تنظيم تأجير الأرحام بضوابط
يرى البعض الآخر أن منع تأجير الأرحام يحرم بعض الأزواج من فرصة الإنجاب، وبالتالي، يمكن إعادة النظر في التشريع بحيث يُسمح به فقط في حالات الضرورة القصوى، وضمن إشراف طبي وقانوني صارم.
يظهر من خلال تحليل المادة (13) أن المشرّع اعتمد نهجًا صارمًا لحماية الأسرة ومنع أي تجاوزات أخلاقية أو قانونية قد تنتج عن تأجير الأرحام. ومع ذلك، فإن النقاش حول هذه القضية لم يُحسم بعد، حيث يواجه القانون تحديات جديدة مع التطورات الطبية والاجتماعية.
فهل يجب أن يبقى الباب مغلقًا أمام تأجير الأرحام لحماية الأسرة، أم أن هناك حاجة لإعادة النظر في التشريعات لمواكبة الواقع الطبي والاجتماعي؟
السؤال يبقى مفتوحًا، لكن الأكيد أن أي تعديل قانوني مستقبلي يجب أن يوازن بين حق الأزواج في الإنجاب، وحماية كرامة الإنسان، ومنع أي استغلال أو ضرر قد ينتج عن هذه التقنية المثيرة للجدل.
المحامي الدكتور ربيع العمور
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-03-2025 12:50 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |