14-04-2025 10:20 AM
بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي
مركز عبر المتوسط للدراسات الإستراتيجية في مقال سابق تحت عنوان "الصراع العالمي على الموارد الطبيعية" والمنشور بجريدة الغد بتاريخ 1/2/2023، كنت قد اشرت الى أن قوة الموارد الطبيعية كانت الاهم في تاريخ صراع الأمم، وهو الصراع المرتبط بجغرافية الأرض.
يعتبر اليونانيون القدماء أول من فكر في أهمية الجغرافيا للدولة، حيث أشار هيرودوت الى ان سياسة الدولة تعتمد على بيئتها الجغرافية، تبعه أرسطو في كتابه السياسة The Politics، حيث قسم العالم الى إقليم شديد الحرارة وشديد البرودة والمعتدل، وأشار فيه الى ان قوة اليونان تعود الى وجودها ضمن الإقليم المعتدل، تبعها تنقل مركز الحضارات القديمة ضمن المنطقة المعتدلة مناخياً (أثينا، مصر، فارس، روما، بغداد ولاحقاً اسطنبول).
استمرت القواعد السياسية الرئيسية بالتطور التدريجي الى القرن التاسع عشر، حيث بدأ هذا المفهوم بالتوسع حيث ربط Ratzell مفهوم واقع الدولة والقوى العالمية المنطلقة من الموقع الجغرافي من جهة وقوة التكنولوجيا والاقتصاد من جهة أخرى، ويضاف اليها قدرة الدولة على الحركة الديناميكية المستمرة. إلا أن بريجينسكي أشار إلى ان الموقع الجغرافي لبعض الدول يجعل منها دول محور جيوسياسي، أو ذات وضعية جيوسياسية محددة، يحدد قدرتها بالتاثير في محيطها الإقليمي او على الساحة السياسة العالمية من حيث القدرة على استخدام القوة العسكرية والتحالفات السياسية وقوة التاثير الاقتصادي (الثروات الطبيعية والقوة الصناعية والعلاقات التجارية).
ان توزيع الثروات الطبيعية واكتشافها في أراضي دول محددة دون غيرها، جعل منها محط اهتمام او اطماع للكثير من الدول الكبرى منذ القرن الثامن عشر، واستمر وصولاً الى القرن العشرين الذي تميز بالصراع على موارد الطاقة الاحفورية (الفحم والنفط والغاز). الا ان القرن الحالي يشهد تحولات جذرية من حيث الاهتمام العالمي بالمعادن الاستراتيجية والنادرة والذي اصبح اهتمام العالم بها اكبر من اهتمامه بالوقود الاحفوري (القادم من الشرق الأوسط)، الذي تسارعت الاكتشافات العالمية له (لم يعد الشرق الأوسط المصدر الرئيسي له كما كان في القرن الماضي، فاحتياطيات افريقيا من النفط والغاز تشكل ما يقارب
15 %، روسيا تقارب 25 % من احتياطيات الغاز 6 % من النفط، وأميركا اللاتينية 20 % من النفط وحوالي 10 % من الغاز، وأميركا الشمالية ما يقارب 35 % في بما فيها الإنتاج من الصخر الزيتي الكندي، بالإضافة الى الاكتشافات الجديدة في بحر الشمال والقارة المتجمدة الشمالية، وغيرها من المناطق وبنسب مختلفة).
ان دخول العالم الى عصر الثورة الصناعية لتكنولوجيا المستقبل (التي تتسابق الدول الكبرى على امتلاكها) والتحول العالمي الى الطاقة النظيفة، وللمحافظة على الامن الاقتصادي للدول والسيطرة الجيوسياسية، جعل الاهتمام العالمي بالمعادن الأساسية للصناعة (الحديد، النحاس، الالمنيوم، وغيرها) والاستراتيجية منها (حيث تم تصنيف 30 معدناً بانها ذات قيمة استراتيجية عالمية حسب التصنيف الأوروبي و35 معدنا حسب وزارة الطاقة الأميركية) مثل النيكل، الكوبالت، النحاس، المنغنيز، الليثيوم، البلاتين، الزئبق، المغنيسيوم، السيلكون (السيليكا عالية النقاوة 99.99 % في الولايات المتحدة الأميركية، أستراليا، البرازيل، روسيا، الصين، السويد وفنلندا، وغيرها من الدول بدرجة نقاوة اقل على سبيل المثال الأردن بنقاوة تزيد قليلاً على 99 % في بعض المناطق، سنتحدث عنها لاحقاً)، اليورانيوم، الذهب (الإنتاج العالمي حوالي 3000 طن)، البلاتين (الإنتاج العالمي 160 طن) والألماس وغيرها)، ومنها ما يعتبر من المعادن النادرة الخفيفة أو الثقيلة مثل التيتانيوم، اللانثانم، السيريوم، البراسيوديميوم، النيوديميوم، البروميثيوم، السماريوم، اليوروبيوم، الجادولينيوم، التيربيوم، الديسبروسيوم، الهولميوم، الإربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم، اللوتيتوم، سكانديوم، والإيتريوم، الرينيوم، البلاديوم (ثمن الكيلوغرام حوالي 80 ألف دولار، الإنتاج العالمي 200 طن)، والروديوم (ثمن الكيلوغرام حوالي 675 الف دولار، الإنتاج العالمي 31 طنا، يأتي من جنوب أفريقيا وروسيا وكندا وزيمبابوي)، الايريديوم (ثمن الكيلوغرام حوالي 100 الف دولار والإنتاج العالمي حوالي 3 أطنان، يأتي من جنوب أفريقيا وروسيا وكندا)، والخفيفة اكثر استخداماً من حيث الكمية، الا ان الثقيلة ستستخدم في صناعات حساسة واعلى سعراً.
هذا وتقدر احتياطيات العالم من المعادن النادرة ما يقارب 120 مليون طن، تسيطر الصين على 44 مليون طن (تنتج ما يقارب 70 % من الاحتياجات العالمية وتدير ما يقارب من 90 % من اعمال التعدين والمعالجة في العالم). بينما تملك أميركا 1.9 مليون طن (تنتج حوالي 45 الف طن سنوياً يتم معالجة معظمها خارج البلاد، وهي تستورد ما يقارب 80 % من احتياجاتها، وهي الدولة الأكثر استهلاكاً لها، لتقدمها الكبير في الصناعات التكنولوجية المتقدمة ولاحتياجاتها لها في الصناعات العسكرية المتطورة، فمثلاً صناعة طائرة F-35 تحتاج الى ما يزيد على 415 كغم منها)، وهي في سباق مع الزمن لحل مشكلتها المستقبلية في سلاسل التوريد لهذه المعادن (التي تسيطر عليها الصين بشكل رئيسي، وهي الدولة التي ابدعت خلال العقدين الأخيرين في توظيف القوة الاقتصادية لتحقيق أهداف جيوسياسية وجيوإستراتيجية أكبر) لأهمية ذلك للأمن القومي الأميركي.
في الجزء الثاني سأتحدث عن احتياطيات الدول من المعادن النادرة وقد نتطرق إلى أهم المعادن الإستراتيجية.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-04-2025 10:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |