حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,26 أبريل, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6723

د. حمزه العكاليك يكتب: وئام الأمس وخصام اليوم .. حكاية الأردن والإخوان

د. حمزه العكاليك يكتب: وئام الأمس وخصام اليوم .. حكاية الأردن والإخوان

د. حمزه العكاليك يكتب: وئام الأمس وخصام اليوم ..  حكاية الأردن والإخوان

17-04-2025 12:37 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حمزه العكاليك
هل تأملت يومًا قصة أمةٍ صُنعت في بوتقة الاضطرابات الإقليمية، أرضٍ تقف شامخةً كشجرة تضرب جذورها في عمق التاريخ وسط عواصف لا تتوقف؟ تلك الأمة هي الأردن. وُلدت في قلب الشرق الأوسط المتقلب، تستوعب الضربات بعزيمةٍ راسخة وترفض الاستسلام. إذا كان لغز هذه المملكة الصامدة قد أثار فضولك يومًا، فاستعد للانطلاق في قصةٍ ستتردد صداها بعمق. دع عنك همسات التخمين الغامضة؛ فهذه هي الحقيقة الصريحة لروح أمةٍ خالدة.
فلنستحضر معًا صورًا من الماضي القريب، تحديدًا خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين توافقية وتوفيقية والذين تحولوا بموجب القانون الى حزب سياسي مرخص وكانت نشاطاتهم وطنية الى الحد الذي كان يعتبر المراقب العام لهم عبدالرحمن خليفة جزء من النظام في وجه المد القومي والناصري.
أما فلسطين؟ فكانت ولا تزال بوصلة الأردن التي لا تحيد. دافع الأردنيون عنها ببسالة نادرة، وقدموا قوافل الشهداء على ثراها الطهور، وحافظوا على الضفة الغربية كثغر أمين، في مشهد مغاير لدول عربية أخرى آثرت الانسحاب أو التخاذل. وحتى تحت وطأة الضغوط الدولية الهائلة، لم يرضَ الأردن بالسلام مع إسرائيل إلا بعد أن اتخذ الفلسطينيون قرارهم بأنفسهم.
ولكن، ويا لهول المفارقات! فمع بزوغ فجر الديمقراطية في الأردن، انقلبت الموازين، وتحول الود إلى جفاء، والوئام إلى صدام. حيث بدأ مسلسل المناوشات، وليبلغ ذروته عندما تبنى حزب جبهة العمل الإسلامي دعم حركات سياسية وعسكرية على الساحة الفلسطينية. هنا، تدخلت الدولة الأردنية بحزم، وأبعدت قادة حماس في مطلع الألفية، لتؤكد على سيادة القانون الذي لا يسمح لأي فصيل بتبني أجندات تتعارض مع مصالح الوطن العليا.
واستمر تطرف بعض قياداتهم من خلال تهديدات مبطنة بـ "حرق عمان" في اجتماعات مغلقة! لكن حتى من داخل صفوفهم، صرخ النائب السابق بسام العموش: "من يحرق عمان، نحن نحرقه!". فالنظام الأردني لطالما كان أبًا حنونًا يحتضن أبناءه، لا جلادًا قمعيًا يسوقهم إلى المشانق فمهما عظم الجرم، فإن القانون هو الفيصل، ولا يحق لأي جماعة أو تنظيم أن يمتلك قوة عسكرية موازية لقوة الدولة، فهذا أمر مُجرم في أي قاموس سياسي.
وعلى الرغم من كل هذا التوتر، لم يبخل النظام الأردني يومًا بمد يد العون للاخوان. فقد تدخل الملك الحسين شخصيًا للإفراج عن موسى أبو مرزوق من قبضة السلطات الأمريكية وإعادته إلى عمان، بل واستقبل زوجته في القصر الملكي. وربط الحسين رحمه الله مستقبل معاهدة السلام بوصول الترياق لثلاثة من قادة حماس وعلاج الشيخ أحمد ياسين في مستشفيات الأردن.
وفي منتصف التسعينيات، تقدم الإخوان المسلمون بشكوى للملك الحسين حول ما اعتبروه مضايقات من جهاز المخابرات الأردني. فكان رد الملك الحكيم أن دعاهم إلى القصر لمناقشة الأمر. ولحظة دخولهم، فوجئ الإخوان بوجود مدير المخابرات ووزير الداخلية، وتوجهوا بالشكوى للملك حول قيام المخابرات بمراقبة الهواتف، وتتبع رموز الحركة، وزرع شبكة واسعة من المصادر للتجسس عليهم.
بقي الملك الحسين صامتًا، ثم طلب الفريق مصطفى القيسي الحديث، فأذن له. عندها، أخرج الفريق ملفًا أحمر اللون، وبدأ يسرد تواريخ وأماكن زيارات قام بها بعض قادة الحركة إلى دمشق، ولقاءاتهم بقيادات إيرانية. وتحدث عن نشاطهم خارج حدود الدولة، وعن تواريخ دقيقة لمقابلات رُتبت مع أطراف أجنبية في دمشق، من ضمنها إيران. وتطرق أيضًا إلى الجناح العسكري، والتدريبات العسكرية التي تُنظم لبعض شباب الحركة.
كانت صدمتهم قوية عندما اكتشفوا أن المخابرات الأردنية تتمتع بهذا المستوى من الاحترافية، لدرجة أنها استطاعت تحديد تواريخ اللقاءات، وما دار فيها، والأماكن في عاصمة عربية مغلقة ويصعب اختراقها. كانت كل المعلومات تشير الى ان هناك توجهًا لدى الحركة لتأسيس جناح عسكري بالتزامن مع بروز حماس كحركة فلسطينية مقاومة، وكجزء مهم في أيديولوجية وحركة تنظيم الإخوان المسلمين. ووقتها، وصلت الرسالة للإسلاميين بوضوح، وأدركوا أن المخابرات تعرف كل شيء وبالتفصيل.
كان الأمر ولازال تحت السيطرة المطلقة للدولة لسبب بسيط، وهو أن جهاز المخابرات العامة كان صاحب الولاية في شأن الأمن السياسي الوطني، وبالتحديد فيما يتعلق بالإسلاميين، وأصر الملك الحسين على أن يبقى ملفهم بيد المخابرات العامة، لأن هذا الجهاز وحده الكفيل بإبقاء هذه الحركة في إطار سياسي بحت.
لكن الأمور عادت وأخذت منحى خطرًا عندما بدأت مجموعات مرتبطة بالإخوان المسلمين تتحول إلى خلايا مسلحة، تتلقى تدريبات في دول مجاورة على صناعة الصواريخ والدرونز والكاتيوشا. وأي دولة ديمقراطية في العالم تسمح بمثل هذا العبث بأمنها؟
لكن الأردن، رغم كل شيء، لم يمنع أي تعبير قانوني عن رأي سياسي أو دعم للأشقاء في فلسطين. بل كان في مقدمة الدول الملتزمة بالمقاطعة والعصيان المدني تضامنًا مع أهل غزة. ويكفي أن نتذكر كيف صعد ولي العهد الحسين بن عبدالله بنفسه إلى الطائرة لإيصال المساعدات إلى أهلنا هناك. فكيف يُكافأ هذا العطاء بمحاولات إرهابية لزعزعة أمن واستقرار هذا البلد؟ لقد ذكرت سابقًا أن هناك قوى عربية ودولية مستعدة لدفع الملايين مقابل حظر الإخوان المسلمين، لكن الرد الأردني كان دائمًا: هم جزء من نسيجنا الوطني.
إذًا، يبقى السؤال المعلق في الأذهان: هل فقد الإخوان المسلمين الحكمة بهذا التحول الدراماتيكي من التوافق إلى التصادم ومحاولة عسكرة أتباعهم؟ أليس لديهم ممثلون (ربع البرلمان) يعبرون عن آرائهم بالطرق الديمقراطية؟ لماذا هذا العناد والتصادم مع دولة احتضنتهم وسمحت لهم بالتمدد في المجتمع، وإلا لكان مصيرهم كمصير أحزاب أخرى تصادمت مع الدولة وفقدت تأثيرها؟ ويا للعجب، حتى أبو مصعب الزرقاوي، الإرهابي الذي لطخت يداه بدماء الأبرياء، لم يتردد قادتهم في الذهاب إلى عزائه! فهل هذا هو جزاء الإحسان؟
وعند النظر الى محاولة زعزعة الامن الاخيره، سرت رواية عن تنظيم الإخوان المسلمين تحاول حصر القضية في بعدين: الأول، أن ما قامت به المجموعة هو "تصرف فردي" (وهو اعتراف ضمني بصلتهم التنظيمية مع إنكار وجود قرار جماعي بالعملية). والثاني، أن الدافع للعملية هو "دعم المقاومة في الأرض المحتلة".
والرواية الرسمية أن المراقبة على أعضاء الخلية بدأت عام 2021، هذا يعني أننا أمام روايتين تتفقان في "صدق الوقائع": الحكومة عرضت روايتها، والإخوان لم ينكروا ما قالته الحكومة، وإن اختلف موقفهم مع الحكومة في تفسير "الدوافع". أي أن الحكومة والإخوان اتفقا تقريبًا في سرد الأحداث وتباينا في تفسير النوايا.
والمفارقة انه اذا ما كانت هناك مطالب للإخوان، فتكون بضرورة رفع سقفها وترك الأمر للناس ليحكموا، ويتم تجييش العواطف. وإذا ما كان الخطأ من الإخوان أو منتسبي الجماعة المحظورة بموجب حكم قضائي بات صادر عن محكمة التمييز، تكون حجتهم أنها تصرفات فردية ويجب عدم الالتفات لها وترك القانون يأخذ مجراه.
في الختام، يبقى الأردن شامخًا، عصيًا على المؤامرات، قويًا بوحدته الوطنية، حريصًا على أمنه واستقراره، مدافعًا عن قضاياه بثبات وإيمان.












طباعة
  • المشاهدات: 6723
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-04-2025 12:37 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم