19-04-2025 03:05 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
انقسم الشارع الأردني إلى قسمين متوازيين ومتضادين منذ اللحظة الأولى لإعلان القبض على الخلية التي ينتسب أعضاؤها لجماعة الإخوان المسلمين، والتي وُصفت بأنّها تسعى لصناعة صواريخ ومسيّرات خارج إطار الشرعية القانونية، وبما يهدد الأمن الوطني، والسلم المجتمعي.
بتحليلٍ قانوني مجرّد، فإنّ فعل التعدّي على الأموال والأشخاص والمؤسسات العامّة والخاصة والشخصيات الاعتبارية والدولة، فإنّه إذا توافرت في فعل التعدّي ثلاثة أركان (الركن المادي، الركن المعنوي، وعلاقة السببية بينهما) فإنّ الفعل بحكم القانون يسمّى (جريمة)، من دون النظر إلى الباعث، لأنّ الباعث أمرٌ باطني، وعاملٌ نفسي، سابق على ارتكاب الجريمة، ولا يدخل في الركن المعنوي لها، بينما القصد يعتبر جزءً من الجريمة.
في حالة الخلية التي تمّ القبض عليها، فإنّ مجرد قصد تصنيع المواد المتفجّرة، والشروع في التنفيذ، يكفيان لوصف الفعل قانونيًا (بالجريمة)، ولتقريب الصورة أكثر، فإنّ السرقة من الآخرين تُصنّفُ بحكم القانون على أنّها جريمة، ويكفي أن يقوم السارق بفعل السرقة، قاصدًا أن يسرق، لكي يوصف الفعل (بجريمة السرقة)، مع أنّ الباعث على سبيل المثال قد يكون لإطعام الفقراء، وهو وإن كان دافعًا نبيلًا إلّا أنّه لا ينفي عنه صفة الجريمة، وقد استقرّت جميع القوانين في كل بلاد العالم على ذلك، لأنّ الباعث على الجريمة أمرٌ نفسيٌ داخليٌ في نفس الفاعل، ولكي لا يصبح الباعثُ ذريعةً يتذرّعُ بها كل من يرتكب جريمة، وفي كلّ الأحوال، فإنّ وصف الأفعال الجرمية بأركانها الثلاثة وتحديد عقوباتها يعودُ الأمرُ والفصلُ فيه إلى القضاء صاحب الولاية والشرعية في ذلك.
الشارع بشكلٍ عام عاطفيٌ انفعالي، يبني آراءه ويُطلقُ أحكامه بسرعةٍ شديدة، نتيجة مواقف مسبقةٍ من جهةٍ، أو لجهةٍ معينة، أو دفاعًا عن مصلحةٍ ما، وهذا ما حدث في قضية الخليّةِ تمامًا، فبين من يرون في جماعة الإخوان صورة الإسلام الذي يحلمون به (بعيدًا عن صوابية أو خطأ ما يرونه)، وأنّ الفعل باعثه ما يجري في فلسطين، وبين من يرون أنّ الفعل بمطلق أحواله جريمةٌ واعتداءٌ على حقّ الدولة، ومساسًا بأمنها الوطني، وأنّه قد يجرُّ البلاد والعباد إلى ما لا يُحمد عقباه، انقسم الشارعُ انقسامًا شديدًا بين مؤيدٍ ومعارض، وبين قابلٍ للفكرة ورافضٍ لها، حتى وصل الانقسامُ حدّ التشكيكِ في المواقف الثابتة والراسخة للدولة بعمومها، ولأفراد شعبها الذين ينظرون إلى قضية فلسطين على أنّها قضيتهم الأولى، وأنّ أهل فلسطين أهلهم.
الشاهدُ في الأمر أنّ الجماعة التزمت الصمت عدا عن بيانٍ بسيطٍ نسبت الفعل فيه إلى (تصرفاتٍ فردية)، كما أنّ الدولة ذاتها - حتّى اللحظة - لم تحمّل الأمر أكثر مما يحتمل، واكتفت بتصريحات عامّة، دون أن تُدخل الجماعة في نطاق المسؤولية القانونية، ودون أن تتعامل مع حزب الجماعة بعدوانية، وهذا مؤشرٌ على أنّ الدولة الأردنية العميقة تتعاملُ بحكمةٍ مع هذا الملف، وتتركُ الأمر للتحقيقات، وللقضاء ليقول كلمته أولًا، ثمّ لتقول كلمتها هيَ استنادًا إلى قرار القضاء الذي نسميه نحن المحامين (عنوان الحقيقة).ّ
الاحتقان الشديد في ردود فعل الشارع الأردني على هذه القضية وخاصةً على مواقع التواصل الاجتماعي أعادتنا إلى أيام الحالة السورية، حين انقسم الشارع بين مؤيدٍ للثورة ومؤيدٍ للنظام، وفي لغة التخوين للمعارِض للآخر، حتى إنّ من وقفوا على الحياد لم يسلموا من لغة التخوين، ولم ينتهِ الأمرُ حتى قال الشعب السوري كلمته الأخيرة، واليوم نشهدُ ذات الحالة، ونصنّفُ الآخر حسب زوايا وجهات نظرنا من الحدث دون انتظار انقشاع الغيمِ واتضّاح الرؤية الشاملة، ودون انتظار حكم القضاء ورأي الدولة وكلمتها الأخيرة، في محاولاتٍ فرديةٍ لفرض الرأي أو مصادرة الرأي المخالف، وتكميمه.
هذا الاحتقانُ يُظهر حاجتنا إلى الصبر، وإلى تعلّم لغة الحوار والاختلاف، وقبول الرأي الآخر مهما كان متطرّفًا، دون تصنيف أو اتهامات معلّبة جاهزة، فلربما تبدي الأيامُ خطأ من يظنُّ أنّه على صواب.
لنترك الأمر لصاحب الأمر، ومن أراد أن يُبدي رأيه فله الحقُّ الكاملُ في ذلك، ومن أراد أن يُخالف فله أيضُا الحقّ في ذلك، ولكن من دون مزاوداتٍ وبناءِ مواقف، وقذف اتهامات، ومن دون تحميل الكلام أو الأمر أكثر مما يحتمل.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-04-2025 03:05 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |